للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال يا أمير المؤمنين، مثل عمرو مناصحته لا يوجد، فأخبرته بتفريط ليستدرك ما مضى، فقال له المأمون: أحسنت.

[ولعَمرو بن مَسعدةَ حكاياتٌ مستطرَفة، منها ما ذكره القاضي التَّنوخي في كتاب "الفَرج بعد الشدَّة" (١) وحكاه جدِّي في "المنتظم" (٢) فقال: حدَّثنا محمَّد بنُ عبدِ الباقي: حدَّثنا عليُّ بن المحسِّن التنوخيُّ، عن أبيه] قال: قال عَمرو بن مَسعدة (٣): كنتُ مع المأمون عند قدومِه من بلاد الروم، حتى إذا نزل الرَّقَّةَ قال: يا عَمرو، ما ترى الرُّخَّجيَّ (٤) قد احتوى على [أموال] الأهواز وجمعها وطمع فيها؟! وكتبي متصلةٌ في حملها، وهو يتعلَّل [ويتربَّص بي الدوائر!] (٥) فقلت: أنا أكفي أميرَ المؤمنين بأمره، قال: تخرجُ إليه بنفسك حتى تصفِّدَه بالحديد وتحملَه إلى بغداد، وتقبضَ على جميعِ ما في يده من أموالنا، وتنظرَ في العمل وترتِّب فيه عمَّالًا، فقلت: السمع والطاعة.

فلمَّا كان من غدٍ دخلتُ عليه [فاستعجلني] فانحدرتُ (٦) في زلَّال أُريد البصرة، واستكثرت من الثلج لشدَّة الحرِّ، فلما صرت بين جَرْجَرَايا وجَبُّل سمعت صائحًا من الشاطئِ يصيح: يا ملَّاح، فرفعت سُجُفَ الزلَّال، فإذا بشيخٍ كبير السِّنّ، حاسر، حافي القدمين، خَلَقِ القميص، فقلت للغلام: أَجِبه، فأجابه، فقال: يا غلام، أنا شيخٌ كبير


(١) ٣/ ٣٠٦. والحكاية مذكورة أيضًا في العقد الفريد ٤/ ١٧٥ - ١٧٩، وصبح الأعشى ١/ ١٤٢ - ١٤٥ وما بين حاصرتين من (ب).
(٢) ١١/ ٧.
(٣) في (خ): قال: قلت للقاضي أبو علي الحسن بن علي التنوخي ذكر للقاضي أبو الحكماء كتابه قال: وقال عمرو بن مسعدة. . .
(٤) هو: عمر بن الفرج، كما في صبح الأعشى ١/ ١٤٢.
(٥) ما بين حاصرتين من (ب).
(٦) في (خ): دخلت عليه فقال: ما فعلت فيما أمرتك؟ قلت: أنا على ذلك، قال: أريد أن تجيئني في غد مودعًا، فلما كان من الغد جئته مودعًا، قال: أريد أن تحلف لي أنك لا تقيم إلا يومًا واحدًا ببغداد، فاضطربت في ذلك، فاستحلفني ألا أقيم فيها أكثر من ثلاثة أيام، فخرجت حتى قدمت بغداد ولم أقم إلا ثلاثة أيام، وانحدرت في زلازل. . . إلخ.
وكذلك هو في الفرج بعد الشدة، إلا أني أثبت ما في (ب)؛ لأنه يوافق ما في المنتظم، وقد قال كما سيأتي: هذا صورة ما حكى جدي عن التنوخي.