للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر طرف من أخباره:

حكى ابن باكويه الشيرازيّ وابنُ خميس في "مناقب الأبرار" عن منصور بن عمار قال:] (١) خرجتُ ليلةً من الليالي المقمرة أظنُّ أنَّ الصبحَ قد طلع، فإذا عليَّ ليلٌ، فجلست على بعض الأبواب أنتظر الصبح، وإذا بصوت رجلٍ يبكي ويقول: إلهي، [وعزَّتك] ما أردتُ بمعصيتك حين عصيتك مخالفتَك، ولكن سوَّلت لي نفسي، وغلبتْ عليَّ شقوتي، وغرَّني ستركَ المرخى عليّ، فالآن مِن عذابك مَن يُنقذني؟ ومن أيدي زبانيتك من يخلِّصني؟ وبحبل من أتَّصل إن قطعت حبلَك عنِّي؟ واسوأتاه (٢) إذا قيل للمخِفِّين جوزوا، وللمثقلِين حطُّوا، يَا ليتَ شعري مع المثقلين أحطُّ، أم مع المخفِّين أجوز؟ كلَّما كَبرت سنِّي كثرت خطاياي، كم أتوبُ وأعود وما أستحي من ربّي، قال: فاستعذتُ بالله من الشيطان الرجيم، وقرأتُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ الآيات، فاضطرب الفتى اضطرابًا شديدًا، ثم هذا الصوتُ، فعلَّمت البابَ بعلامة، ومضيتُ في حاجتي، وعدتُ بعد ارتفاع النهار، وإذا بجنازةٍ موضوعةٍ عند الباب، وعجوزٌ تذهبُ وتجيء كئيبةً باكية، فقلت لها: [يا] أمةَ الله، ما هذا الميت منك؟ فقالت: [إليك عني، لا تجدِّد عليَّ أحزاني، فقلت: أنا غريب، فقالت: لولا غربتك ما أخبرتك، هذا] ولدي [ومن نزل عن كبدي]، وكنت أرجو أن يواريني، وهو من موالي رسول الله ، وكان يَسُفُّ الخُوصَ (٣)، ويقسم ثَمَنه ثلاثةَ أثلاث، يُطعمني ثلثه، ويَتصدَّق بثلثه، ويُفطر على ثلثه، وكان من العبَّاد الخائفين، فمرَّ به البارحة رجلٌ -لا جزاه الله خيرًا- فقرأَ آيةً فيها ذكر النَّار، فسمعها، فما زال يضطربُ حتَّى مات، [فبكى منصور وقال: ويحكَ يَا ابن عمار، هذه صفةُ الخائفين.

وقيل: إنَّ هذه الواقعة كانت في سنة إحدى وثمانين ومئة، واسمُ الشابّ يعقوب، من قوَّاد الكوفة (٤).


(١) في (خ) و (ف): وقال منصور بن عمار. والمثبت بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (خ) و (ف): واغوثاه. والمثبت من (ب)، ومناقب الأبرار ١/ ٣٠٠، وحلية الأولياء ٩/ ٣٢٨.
(٣) سف الخوص: نسجه. القاموس (سفف).
(٤) المنتظم ٩/ ٦٤ - ٦٥.