للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسُلِب فعذَر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان على عذرِه، ويترك له ضياعه، ويسقط له خراجها، ويعوَّض أشناس عنها، ولا يعاود في ذلك، والسلام (١).

وقال المعلَّى بن أيوب الكاتب: عنَّتني الفضل بن مروان … (٢) المعتصم، وطلبَ مني حسابًا طويلًا، حتى خفتُ من المعتصم يتغيَّرُ عليَّ، فجلست ليلةً، وأوقدتُ بين يديَّ نفَّاطةً، وشرعت في عمل الحساب إلى نصفِ الليل، فغلبتني عيناي، فرأيتُ في المنام شخصًا يقرأ: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ الآيات [الأنعام: ٦٣ - ٦٥]، فانتبهتُ فزِعًا، وكنّا في الخيام، وإذا بمشعلِ صاحب الحرس قد أنكر نفَّاطتي في ذلك الوقت، فجاء، فوقف عليَّ وقال: ما الذي تصنع؟ فأخبرتُه، فمضى إلى المعتصم، فأخبره، وإذا الرسل (٣) قد جاءت يطلبوني، فدخلتُ عليه وهو قاعد، ولم يبق من الشمع إلَّا أسافله، فسألني عن حالي، فأخبرته، فقال: ويلي على النبطيّ، امتهنك، وأيُّ يدٍ له عليك؟! أنتَ كاتبي، وهو كاتبي، ثم قال: اصبر ترى ما تحب، فانصرفتُ، وقد سُرَيَ عنّي، وقبضَ على الفضل بعد أيامٍ، واستأصلَه.

وقال ابن أبي دؤاد: استخرجتُ من المعتصم ألفي ألف درهم لأجل الشاش في حفر نهرٍ كان قد أضرَّ بهم اندراسه، فقال لي: يا أبا عبد الله مالي ومالك، تأخذ مالي فتعطيه لأهل الشاش وفرغانة! فقلت: المالُ لله، وهم رعيَّتُك، ولا فرق بين الأقصى والأدنى في حسن نظر الإمام، فسكت (٤).

ولمَّا وصف ابن أبي دؤاد … (٥) المعتصم وحسن عشرته وتواضعه ولين جانبه (٦) كلامه غير أن سلطان الغضب استولى عليه، فكان إذا غضب لم يبالِ من قتل وما فعل.

وقال الفضلُ بن مروان: لم يكن للمعتصم لذَّةٌ في تزيين الدنيا والبناء وكانت غايته


(١) انظر التذكرة الحمدونية ١/ ٤٣٧.
(٢) في (خ) و (ف) بياض بمقدار كلمة، ولعلها: وزير.
(٣) في (خ): الرجال، وفي (ف): الرجل. والتصويب من الفرج بعد الشدة للتنوخي ١/ ١٠٥.
(٤) تاريخ الطبري ٩/ ١٢١.
(٥) في (خ) و (ف) بياض بمقدار كلمتين.
(٦) في (خ) و (ف) بياض بمقدار كلمتين.