للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإحكام، ولم يكن على شيء أسمح (١) منه بالنفقة على الحرب.

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: دخلتُ على المعتصم وعنده قَينة، وهي تغنِّي، فقال لي: يا إسحاق، كيف تراها؟ فقلت: تقهر الغناء بحذف، وتختله (٢) [برفق]، ولا تخرج من شيءٍ إلَّا إلى أحسن منَّه، وفي صوتها شجًى وشذورٌ أحسن من نظم الدرِّ على النحور. فقال: يا إسحاق، لصفتُك لها أحسنُ منها ومن غنائها، خذها فهي لك، فامتنعتُ لعلمي بمحبته لها، فوصلني بمقدارِ قيمتِها.

وقال أحمد بن أبي دؤاد: ما رأيتُ رجلًا نزلَ به الموت فما أشغله ولا أذهله عمَّا هو فيه غير تميم بن جميل، كان قد تغلَّب على شاطئ الفرات، فأخذ خذ وجيء به إلى بين يدي المعتصم، فدعا بالنطع والسيف بمشهدٍ من الخلائق، وكان وسيمًا جسيمًا، فأراد المعتصمُ أن يستنطقه؛ ليعلم أين جنانه ولسانه من منظره، فقال له: يا تميم، إن كان لك عذرٌ فتكلَّم، أو لك حجَّةٌ فأتِ بها، فقال: الحمد لله ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧)[السجدة: ٧]، ثمَّ قال: جبرَ الله بك يا أمير المؤمنين صدعَ الدين، و [لمَّ] (٣) شعث الأمة، وأخمدَ بك شهاب الباطل، وأوقد بك سراجَ الحقّ، إنَّ الموتَ (٤) يُخرسُ الألسن الفصيحة، ويَصدَعُ الأفئدة الصحيحة، ولقد عَظُمت الجريرة، وكَبُر الذنب، وساء الظنّ، ولم يبقَ إلَّا العفو أو الانتقام، وأرجو أن يكون العفوُ أقربهما منك، وأشبههما بأخلاقك، ثم نظرَ إلى السيفِ والنطع وقال: [من الطويل]

أرى الموتَ بين السيف والنطع كامنًا … يلاحظني من حيثما (٥) أتلفَّتُ

وأكبرُ ظنِّي أنَّك اليوم قاتلي … وأيُّ امرئٍ ممَّا قضى اللهُ يُفْلِتُ

ومن ذا الذي يُدلي بعذرٍ وحُجَّةٍ … وسيفُ المنايا بين عينيه يصْلَتُ (٦)

وما جَزَعي من أنْ أموتَ وإنَّني … لأعلمُ أنَّ الموتَ شيءٌ موقَّتُ


(١) في (خ) و (ف): أشح. وهو تحريف. والتصويب من تاريخ الطبري ٩/ ١٢١.
(٢) في (خ) و (ف): وبحيلة. والتصويب وما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ١٢٢.
(٣) ما بين حاصرتين من المصادر.
(٤) كذا في (خ) و (ف)، وفي هامش (خ): لعله: إن الذنب اهـ. ووقع في المصادر: إن الذنوب ..
(٥) في (خ) و (ف): حيث لا. والتصويب من المصادر.
(٦) في المصادر: مصلت.