للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على السلطان، ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله غير مخلوق، قال: أفترَى ربَّك يوم القيامة؟ قال: نعم، كذا وردت الأخبارُ ونطق القرآن، فقال: ويحك يرى كما يُرى الجسمُ المحدود، ويحويه مكان ويحصره الناظر؟! أنا أكفرُ بربٍّ هذه صفته، ثم قال للحاضرين: ما تقولون فيه؟ قال عبد الرَّحمن بن إسحاق -وكان قاضيًا على الجانب الغربي من بغداد ثم عزل-: [هو حلالُ الدَّم] (١)، ووافقه جماعةُ الفقهاء، فأظهر أحمد بن أبي دؤاد الكراهيةَ لقتله، وقال: شيخٌ كبيرٌ مختلٌّ، لعلَّ به عاهة، ويؤخَّر أمره ويستتاب. فقال الواثق: ما أُراه إلا مؤذنًا بالكفر، قائمًا بما يعتقده منه، ودعا بالصَّمصامة، وقال: إذا قمت إليه لا يقومنَّ أحد معي، فإنِّي أحتسبُ خطايَ إلى هذا الكافر، ثم أمرَ بالنِّطع، فجلسَ عليه وهو مقيَّد، وأمرهم بشدِّ رأسِه بحبل، وأمرَهم أن يشدوه (٢)، ومشى إليه فضربَ عنقَه، وأمر بحمل رأسِه إلى بغداد، فنُصِب في الجانب الشرقيِّ أيَّامًا وفي الجانبِ الغربيِّ أيَّامًا، ثم تتبَّع أصحابَه فحبسوا.

وقال الطبريُّ: لما حُمِل أحمد وأصحابه إلى سُرَّ من رأى، جلسَ لهم الواثقُ جلوسًا عامًّا، فلما دَخلوا عليه قال له: يا أحمد، ما تقولُ في القرآن؟ قال: كلام الله، قال: أفترى ربَّك يومَ القيامة؟ قال: نعم كذا جاءت الآثارُ عن رسول الله أنَّه قال: "إنَّكم لترونَ ربَّكم يوم القيامة" (٣) الحديث، وذكر له أحاديث، فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويلك، انظر ما تقول، قال: أنت أمرتني بهذا، فخاف إسحاق وقال: أنا أمرتك، قال: نعم، أمرتَني أن أنصحَ لأمير المؤمنين، ومن نصحي له ألا يخالفَ حديثَ رسول الله ، فقال الواثق: ما تقولونَ فيه؟ فقال عبد الرَّحمن بن إسحاق: هو حلالُ الدم، وقال الأرمنيُّ صاحب ابن أبي دؤاد: اسقني دمه، فقال ابن أبي دؤاد: يحبسُ ويستتاب، وأحمد قد استقتل (٤) وتنوَّر، فدعَا الواثق بالصَّمصامة التي كانت لعمرو بن معد يكرب، وقام ومشى إليه، وضرب على رأسه، ثم ثنى على حبل العاتق، وانتضى


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ بغداد ٦/ ٤٠١.
(٢) في تاريخ بغداد ٦/ ٤٠١ - والخبر فيه من طريق الصولي-: يمدوه.
(٣) أخرجه بهذا اللفظ اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (٨٢٤) من حديث أبي هريرة، وأخرجه البخاري (٥٥٤)، ومسلم (٦٣٣) وغيرهم من حديث جرير بنحوه.
(٤) في (خ) و (ف): استقبل. انظر تاريخ الطبري ٩/ ١٣٧.