للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيما الدمشقيُّ سيفَه، فضربَ عنقه.

وقيل: إنَّ بغا الشرابي ضربَه ضربةً أخرى، وحمل إلى حظيرة بابك، فصلب (١) بها، وقيداه في رجليه، ثم بُعِثَ رأسُه إلى بغداد، فنُصب، وفي أذنه ورقةٌ بخطِّ محمد بن عبد الملك الزيات مضمونها: هذا رأسُ المشرك الضالِّ أحمد بن نصر، قتله الله على يدي هارون الإمام الواثقِ بالله، أمير المؤمنين، بعدَ أن أقام الحجَّة عليه في خلقِ القرآن و [نفي] (٢) التشبيه، وعرض عليه التوبة، فأبى إلَّا المعاندةَ والتصريح بالكفر، والحمدُ لله الَّذي عجَّله إلى ناره وأليم عقابه، وإنَّما قتله أمير المؤمنين لما أصرَّ على كفره.

وقال إسماعيل بن خلف: لمَّا قال الواثق لأحمد بن نصر: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله تعالى، قال: كذبت، قال: لا، بل كذبت أنت، فعلقت بعنقه، فقال: جُرُّوه، فجرُّوه، فقطَعوا رأسَه.

والمشهورُ أنَّ الواثق قتله بيده، وساعده سيما الدمشقيّ، وهرثمة، وصلبَه إلى جانب بابك، وبعثَ برأسه إلى بغداد، فنصبَه، فأقام ستَّ سنين، ثم حُطَّ، وجمعوا بين رأسه وجسده، ودفن بالجانب الشرقي من بغداد في المقبرة المعروفة بالمالكية، يوم الثلاثاء لثلاثٍ خلونَ من شوال سنة سبع وثلاثين ومئتين (٣).

وقال إبراهيم بن إسماعيل بن خلف: كان أحمد بن نصر خِلِّي، فلمَّا قتل في المحنة وصُلِبَ رأسُه أخبرتُ أنَّ الرأسَ يقرأُ القرآن، فمضيتُ فبتُّ بقرب الرأس، وعنده رجَّالةٌ وحرسٌ يحفظونَه، فلمَّا هدأتِ العيون سمعت الرأس تقرأ: ﴿الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ [العنكبوت: ١ - ٢]، فاقشعرَّ جلدي، ثم رأيتُه بعد ذلك في المنام وعليه السندسُ الأخضر والإستبرق، وعلى رأسه تاج، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وأدخلني الجنَّة، إلَّا أنِّي كُنْتُ مغمومًا منذ ثلاثة أيام، قلت: ولم؟ قال: مرَّ بي رسولُ الله ، فلمَّا وصلَ إلى خشبتي حوَّل وجهَه عنِّي، فقلت: يا رسولَ الله. قُتِلْتُ على حقٍّ أم على باطل؟ قال: على الحق، قلت: فلم حَوَّلتَ وجهَك عنِّي؟ قال: قتلكَ


(١) في (خ) و (ف): حصيرة بابك، فطلب … وهو تحريف. وانظر تاريخ الطبري ٩/ ١٣٨.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٩/ ١٣٩.
(٣) تاريخ بغداد ٦/ ٤٠٥.