للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دار الأمان، لا يضيقُ بها السكان، ولا يزعج (١) منها القطَّان، ولا تشعثها (٢) حوادثُ الزمان، ولا تحتاجُ إلى بنَاءٍ وطيَّان، فقال له الشاب: يا أستاذ، لكلِّ دارٍ حدّ، فما حدود هذه الدار؟ فقال: [لها] أربعُ حدود؛ الحدُّ الأول ينتهي إلى منازل الراجين (٣)، والحدّ الثاني إلى مواطن الخائفين، والثالث إلى أماكن المحبِّين، والرابع إلى جوار (٤) الفائزين، وتشرعُ مَشارعُ هذه الدار إلى خيايم مضروبة، وقبابٍ منصوبة على شاطئ أنهار الفردوس وجنات النعيم في ميادين الشوق (٥)، وفيها سررٌ منصوبةٌ، وفرشٌ ممهودةٌ، في كثبان المسك والزعفران، قد عانقوا خيراتٍ حسان، فقال الشاب: ما ثمنها؟ قال: تكتب [في صكِّ اليقين:] هذا ما اشترى عبدٌ محبورٌ من الملك الغَفُور، اشترى منه هذه الدار بالتنقُّل من ذلِّ المعصيةِ إلى عزِّ الطاعة، ومن الحرص إلى القناعة، فما أدرك هذا المشتري من دركٍ فبنقضِه للعهود، ومخالفته للمعبود. [وذكر في "المناقب" كلامًا طويلًا. والله أعلم بالصواب] (٦).

وقال (٧) الفتحُ بن شُخْرف: كان سعدون المجنون صاحب محبَّةٍ لله تعالى ولهجٍ بالقول، من صام سنين (٨) حتى نشفَ دماغُه، وسمَّاه الناس مجنونًا؛ لتردُّدِ قوله في المحبَّة، فبينا أنا واقفٌ ذات يومٍ بالفسطاط إذا به قد أقبلَ، فوقفَ على حلقة ذي النون، وعليه جبَّةُ صوف، عليها مكتوب: لا تُباعُ ولا تُشترى، وذو النون يتكلَّم في علم الباطن، فناداه سعدون: يا أبا الفيض، متى يكون القلب أميرًا بعدما كان أسيرًا؟ فقال له: إذا اطَّلعَ الخبيرُ على الضمير، فلم ير فيه إلَّا حبَّ الجليل القدير. فصرخَ سعدون، وخرَّ مغشيًّا عليه، ثم أفاق وقال: [من الطويل]


(١) في (ب): ولا يفزع.
(٢) في (ب): ولا تشنعها، وفي مناقب الأبرار ١/ ١١٦: ولا يسكنها.
(٣) في (خ) و (ف): الراضين. والمثبت من (ب) ومناقب الأبرار ١/ ١١٦.
(٤) في (ب): منازل.
(٥) في مناقب الأبرار: في ميادين قد أشرقت.
(٦) ما بين حاصرتين من (ب)، وانظر الكلام بنحوه في مناقب الأبرار ١/ ١١٦.
(٧) من هنا إلى قوله: ذكر وفاته. ليس في (ب).
(٨) في حلية الأولياء ٩/ ٣٧١، ومناقب الأبرار ١/ ٩٧ - ٩٨: صام ستين سنة.