للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بثمان دعوات: يا برُّ يا رحيم، يا حنان يا منان، يا حي يا قيُّوم، ودعوتين بالسُّريانية لم أفهمهما. قال: فرفع الله عني ما كنت أجد، ووضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثدييَّ، وقلت له: أيوحى إليك اليوم؟ قال: منذ بعث الله محمدًا فإنه ليس يوحى إليَّ. قال: فقلت: كم من الأنبياء اليوم أحياء؟ قال: أربعة، اثنان في الأرض واثنان في السماء، في السماء عيسى وإدريس، وفي الأرض: إلياس والخضر. قلت: فكم الأبدال؟ قال: ستون رجلًا، خمسون منها من لدن عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة، ورجل بعسقلان، وسبعة في سائر البلدان، كلما ذهب الله بواحد جاء بآخر، بهم يدفع الله عن الناس وبهم يمطرون. قلت: فالخضر أين يكون؟ قال: في جزائر البحر، قلت: فهل تلقاه؟ قال: نعم، بالموسم يأخذ من شعري وآخذ من شعره، قال: وذاك حين كان بين مروان بن الحكم وبين أهل الشام القتال. قال: قلت: فما تقول في مروان؟ قال: ما تصنع به، رجل جبّارٌ عاتٍ على الله، القاتل والمقتول والشاهد والمشهود في النار. قال: فقلت: إني قد حضرت- أو قد شهدت- ولم أطعنْ برمح ولم أرم بسهم ولم أضرب بسيف، وأنا أستغفر الله من ذلك المقام وإني لا أعود إلى مثله أبدًا. قال: أحسنت هكذا فكن أبدًا. قال: فإني وإيَّاه قاعدان إذ وضع بين يديه رغيفان أشدُّ بياضًا من الثلج، فقال: كل، فأكلنا رغيفًا وبعض آخر ثم رفع، وما رأيت أحدًا وضعه ولا أحدًا رفعه، قال: وله ناقة ترعى في وادي الأردُنِّ، فرفع رأسه ودعاها فجاءت وبركت بين يديه، فركبها فقلت: الصحبة، قال: لا تقدر على صحبتي، قلت: لا زوجة لي ولا عيال، قال: تزوَّج وإياك والنساء الأربع: الناشز والمختلعة والملاعنة والمبارية، وتزوَّج ما بدا لك من النساء. قلت: فإني أحبُّ لقاءك. فقال: إذا رأيتني فقد رأيتني، ثم قال: إني أريد أن أعتكف في البيت المقدَّس شهر رمضان، وحالت بيني وبينه شجرة فوالله ما أدري كيف ذهب (١).

فإن قيل: ففي هذه الحكاية عن رجل مجهول، قلنا: لا يضرُّ فإن عادة المحدثين أن يذكروا في الأخبار النبوية رجلًا ولا يسمونه كما فعل الحميدي في آخر "الجمع بين


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٦٢ - ٢٦٣، وتفسيره ٨/ ١٦٧.