للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالوَصْف، وسلَّمتُ عليه، وقلت: ادعُ لي، فقال: أتعرفُني؟ قلتُ: دلَّني عليك سهل، فقال: أتحبُّ أن ترى سهلًا؟ فقلتُ: إنِّي خلَّفتُه بتُستَر في بلده، فقال: قم إلى ذاك العَمود، فقمتُ إليه، وإذا بسهل قائمٌ يصلِّي عنده، فوقعت عليَّ رِعدة ولم أكلِّمه، وغلبني النَّوم، فأنبهوني للصَّلاة.

وقال سهل: كنت (١) يومًا بناحية ديار عاد، فرأيتُ مدينةً من حجرٍ منقور، في وسطها قصرٌ من حجارة، مَنقورةٌ سُقوفُه وأبوابه، تأوي إليه الجنُّ، فدخلتُه، وإذا شيخٌ عظيمُ الخِلْقة يصلِّي نحو الكعبة، وعليه جُبَّة صوف فيها طراوة، [قال:] فلم أتعجَّب من عِظَم خِلقَتِه كما تعجَّبت من طراوة جُبَّته، فسلَّمت عليه، فردَّ وقال: يا سهل، إنَّ الأبدان لا تُخلِق الثِّياب، وإنَّما يُخلِقها روائحُ الذُّنوب، ومطاعمُ السُّحْت، وإنَّ لهذه الجُبَّةِ علي سبع مئة سنة (٢)، وفيها لقيتُ المسيح ومحمدًا ، وآمنتُ بهما، فقلتُ له: ومَن أنت؟ فقال: أنا الَّذي نزل فيَّ قوله تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: ١] الآية.

وقال (٣) عبد العزيز الأهوازي: قال لي سهل بن عبد الله: مُخالطة الوليِّ للنَّاس ذلٌّ، وتفرُّدُه عزٌّ.

وقال: ما رأيتُ وليًّا لله إلا مُنفردًا إلَّا عبد الله بن صالح؛ فإنَّه كان رجلًا صالحًا له سابقةٌ جَليلة، وكان يفرُّ من الناس من بلد إلى بلد حتَّى أتى مكَّة، فطال مُقامه بها، فقلتُ له في ذلك فقال: ولمَ لا أُقيم ببلدٍ أر بلدًا تنزل فيه من الرَّحمة والبَركة أكثر من هذا البلد؟ والملائكة تغدو فيه وتروح، وإنِّي أرى فيه أعاجيبَ كثيرة، أرى الملائكة يطوفون به على صور شتَّى لا يقطعون ذلك، ولو قلتُ ذلك كلّما رأيتُ لصَغُرت عنه عقولُ البشر أو عقولُ قوم ليسوا بمؤمنين، فقلت: أسألك، ألا أخبرتَني بشيءٍ من ذلك، فقال:

ما من وَليٍّ لله صحَّت ولايتُه إلَّا وهو يَحضر في هذا البلد في كلِّ ليلةِ جمعة، ولا


(١) في (ف) و (م ١): وحكى أيضًا عن سهل قال كنت.
(٢) في صفة الصفوة ٤/ ٤٤٤: وإنَّ هذه الجبة عليَّ منذ سبع مئة سنة.
(٣) هذا الخبر ليس في (ف) و (م ١).