للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتأخَّر عنه، فمقامي ها هنا لأجل مَن أراه منهم، ولقد رأيتُ رجلًا يقال له: مالك بن القاسم جبليّ، قد جاء ويده غَمِرَة (١)، فقلتُ له: إنَّك قريبُ عَهْدٍ بالأكل؟ فقال لي: أستغفر الله؛ فإنِّي منذ أسبوع لم آكل، ولكن أطعمتُ والدتي، وأسرعتُ لألحقَ صلاةَ الفجر ها هنا، وبينه وبين الموضع الَّذي جاء منه سبع مئة فرسخ، فهل أنت مؤمن بهذا؟ قال سهل: فقلت: نعم، فقال: الحمد لله الَّذي أراني مؤمنًا موقنًا.

ذكر المختار من كلامه:

[حدَّثنا غير واحد عن عمر بن المظفَّر بإسناده، عن محمد بن الحسن بن مصباح] قال: [سمعتُ] سهل [بن عبد الله يقول:] أمسِ قد مات، واليوم في النَّزْع، وغدًا لم يولد.

[وحكى عنه في "المناقب" أنَّه] قيل له: ما تقول في هذا الَّذي يقولون: يكون الرجل بالغَداة بالبصرة، وبالعَشيّ بمكة؟ فقال: أليس يكون لبعض الملوك عَبْدٌ يَدفع إليه مفاتيح خزائنه يتصرَّف فيها كيف شاء؟! قالوا: بلى، قال: فكذا العبد إذا أطاع مولاه فيما أمره به ونهاه، واجتهَد فيما يقرِّبه إليه، سخَّر له كلَّ شيء.

[وروى أبو نعيم الأصفهاني (٢) بإسناده إلى ابن الصباح قال:] قال [سهل:] استجلبْ حَلاوةَ الزُّهدِ بقِصَر الأمل، واقطع أسبابَ الطَّمَع بصحَّةِ اليأس، وتعرَّض لرقَّة القلب بمُجالسةِ أهل الذِّكر، واستفتِحْ بابَ الحُزن بطول الفكر، وتزيَّن لله بالصِّدق، وإيَّاك والغَفْلة؛ فإنَّ فيها سوادَ القلب.

[وحكى في "المناقب" بمعناه، وزاد عليه:] وتحبَّب إلى الله بتَعجيل الانتقال، وإيَّاك والتَّواني فيما لا عُذرَ فيه؛ فإنَّه مَلجأ النَّادمين، واسترجِعْ سالفَ الذُّنوب بشدَّة النَّدَم، وتعرَّضْ لعفو الله بحُسن المراجعة، واستدِمْ بعظيم الشُّكر خوفَ زوال النِّعمة.

[وحكى أبو نعيم (٣) عنه أنَّه، قال: أوَّل الحِجاب الدَّعوى، فإذا أخذوا فيها حُرموا.

[وحكى الخطيب عن سهل بمعناه قال:] ليس بين العبد وبين الله حِجابٌ أغلظ من الدَّعوى، ولا طريقٌ أقرب من الافتقار.


(١) الغَمَر: ما يعلق باليد من دسم اللحم. اللسان: (عُمر).
(٢) في حلية الأولياء ١٠/ ١٩٩ - ٢٠٠. وما بين معكوفين من (ف) و (م ١).
(٣) في الحلية ١٠/ ٢٠٢.