للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقعتُ ها هنا، قلت: ألك أهل؟ فقال: نعم، والدان وإخوة وأخوات، قلت: فهل خطروا في سرِّك؟ قال: لا إلَّا اليوم، لمَّا أيقنتُ بالموت أحببتُ أن أشمَّهم، ولي أختٌ صالحة أحب أن أشمَّها، وهذه الرَّياحين التي حولي جاء بها إليَّ الوحوشُ وبكوا عندي.

قال إبراهيم: فتحيَّرت في أمره (١)، ووقع الشابُّ على سرِّي، وإذا بحيَّةٍ عظيمة قد أقبلت، وفي فيها طاقةُ نَرْجِس دورها ثلاثة أذرع، فنطقت الحيَّة وقالت: يَا إبراهيم، اعدِلْ بسرِّك عن الشابّ فإنَّ الحقَّ غَيور، فصحت صيحة [عظيمة] وغُشي عليَّ، فما أفقتُ إلَّا والشابُّ قد قضى، قلت: كيف أعمل؟ [مالي] مَن يساعدني عليه، وأين الماء [وأين] الكَفَن؟ فأُلقي عليَّ النُّعاس، فما أفَقْتُ إلَّا بحرِّ الشَّمس، وإذا بي على الجادَّة.

فلمَّا قضيتُ الحجَّ ورجعت قلت: لا بدَّ من المضيِّ إلى شِمْشاط، والسؤالِ عن الشابِّ وأهلِه، [قال:] فمضيتُ إليها، فلمَّا بلغتُ إلى المصلَّى إذا بنسوة عليهنَّ المرقَّعات قد أقْبَلْنَ، وبينهنَّ امرأةٌ أشبهُ النَّاس بالشابِّ، فنادتني: يَا أَبا إسحاق، أنا في انتظارك منذ أيام، حدِّثني حديثَ أخي وقُرَّةِ عيني وثمرةِ فؤادي، فحدَّثتُها حديثَه، فلمَّا بلغتُ إلى قوله: أريد أن أشَمَّهم، قالت: هاه، بلغ الشمّ الشمّ، ثمَّ وقعت ميتة، فقلن النِّساءُ: جزاك الله عنها خيرًا، فلقد أرَحْتَها ممَّا كانت فيه، وكان هناك رِباط فيه نساء، فخَرَجْنَ فوَلين أمرَها، ولم يبق في البلد أحدٌ إلَّا شهد جنازتها (٢)، ثمَّ أقمتُ عند قبرها شهرًا وانصرفت.

[حديث إبراهيم مع الحيَّات:

حكى ابن باكويه عن] حامد الأسود قال: خرجتُ (٣) مع إبراهيم في سفر، فجئنا إلى موضع فيه حيَّات كثيرة، فجلسنا، فلمَّا بَرَد الهواء في الليل خرجت الحيَّات، فخفت [منها]، فقال [لي] إبراهيم: لا تَخَف واذكر الله، فذكرتُ، فذهبت الحيَّات، ثمَّ عادت


(١) في (ف م ١): أمري.
(٢) في (خ): شهدها، والمثبت من (ف) و (م ١).
(٣) في (خ): وقال حامد الأسود: خرجت، والمثبت من (ف م ١). وهذا الخبر ذكره القشيري في رسالته ٣/ ١٦٤ - ١٦٥.