ثم قال جدي ﵀: هذا حديث موضوع، مُحالٌ يتنزّه الأنبياء عن مثله، ويقبح أن يقال: أبيح له قتل قوم، أو أُمر بذلك، ثم أبعد به عن الرضا عنه. قال ابنُ حبّان: محمد بن أيوب يروي الموضوعات، لا يحلُّ الاحتجاج به، وإنما يروى مثل هذا عن أبي عمرو الشيباني.
وقوله أيضًا: يا داود إنَّك أخذته بغير ثمن. لا يجوز مثله على آحاد الناس، فكيف على الأنبياء لأنه يكون غصبًا، وهو محال في حقهم.
وقد روى الحسن البصري في مراسيله: أن داود لما شرع في بناء البيت المقدس جاء رجل صالح في زي فقير ليختبرهم فقال: إنَّ لي في هذه البقعة حصةً، وأنتم قد عزمتم على بنائها لله مسجدًا، ولا أرضى أنْ تأخذوا أرضي بغير ثمن، فقال داود: أرضوه، قالوا: نعطيه مئة شاة فأبى، فقالوا: مئة بقرة، فأبى، فقالوا: مئة ناقة، فأبى، فلم يزالوا كذلك حتى ملؤوا أرضه ذهبًا وفضة فقال: لا حاجة في فيها، وإنما أردت أختبركم في طاعة ربكم. ثم مات داود ولم يتمه فأتمه سليمان.
وروى جدي بإسناده إلى كعب في "فضائل بيت المقدس": عن رجاء بن حَيْوة عن أبيه قال: قَدِم كعب إِيلياءَ فرشا من بعض أحبار اليهود (١) بضعةَ عشر دينارًا على أن دلَّه على الصخرة التي قام عليها سليمان حين فرغ من بناء المسجد، وهي مما يلي ناحية باب الأسباط، قام سليمان عليها ودعا بثلاث دعَواتٍ، فأراه الله تعجيل الإجابة في دعوتين، وأرجو أن يستجيب الله له في الآخرة. قال: اللهم هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي فأعطاه الله ذلك، ثم قال: ربّ هب لي حكمًا يوافق حكمك، فأعطاه الله ذلك، ثم قال: اللهم لا يأت هذا المسجد أحدٌ يريدُ الصلاةَ فيه إلا أخرجته من خطيئته كيوم ولدته أمه.
قلت: وقد أخرج أحمد في "المسند" حديثًا فيه طرف يتعلق بهذا فقال: حدثنا
(١) كذا في (ط)، وفي فضائل القدس ١٤٣: فرشى من أحبار يهود، وفي تاريخ دمشق ٦٨/ ٣٥٢ (مجمع اللغة): فرشا- يعني- حبرًا من أحبار اليهود.