للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثلاث مئة، وكتب معهما كتابًا يذكر فيه أنه قامت البيّنة عنده بأن الحلاج يدّعي الربوبية، ويقول بالحُلول، فأحضره علي بن عيسى، وأحضر الفقهاء فناظروه، فأسقط في لفظه، ولم يجده يُحسن شيئًا من القرآن ولا من غيره، فحبسه في دار الخليفة.

[وقال الصولي:] قيل: إنه كان يدعو في أول أمره إلى الرضا من آل محمد ، فسُعي به فضرب، وكان يُري الجاهل شيئًا من شَعْبَذَته، فإذا وثق به دعاه إلى أنه إله، فدعا فيمن دعا أبا سَهْل بن نُوبَخْت، ثم ترقّت به الحال إلى أن دافع عنه نصر الحاجب، لأنه قيل له: إنه سُنّي، وإنما تُريد الرافضة قتلَه، ووُجد في رقاعه وكتبه: إني مُغرق قوم نوح، ومُهلك عاد وثمود، وإن الإنسان إذا صام ثلاثة أيام ولياليها ولم يفطر، وأخذ في اليوم الرابع ورقات هِنْدَباء وأفطر عليها أكناه عن صوم رمضان، وإذا صلى ركعتين في ليلة أغناه ذلك عن الصلوات، وإذا بنى بيتًا وصام أيامًا ثم طاف حوله عُريانًا أغناه عن الحج، وذكر جملة من هذه الحماقات.

وذكر ابن حَوْقل في كتاب "الأقاليم" وقال: ظهر (١) من إقليم فارس الحسين بن منصور، من أهل البيضاء، كان حَلَّاجًا ينتحل النُّسُك والتصوف، فما زال يترقَّى طبقًا عن طبق حتى انتهى به الحال إلى أنه زعم: أن مَن هذب في الطاعة جسمَه، وشغل بالأعمال الصالحة قلبَه، وصبر على مُفارقة اللذّات، وملك نفسه بمنعها عن الشَّهَوات؛ ارتقى إلى مقام المُقَرَّبين، ومنازل الكرام الكاتبين، ثم لا يزال يترقّى في درج المصافاة حتى يصفو عن البشريّة طبعُه، فإذا صفا حل فيه روح الله الذي كان منه عيسى بن مريم، فيصير مُطاعًا يقول للشيء كن فيكون.

فكان الحلاج يتعاطى ذلك، ويدعو إلى نفسه، حتى استمال جماعةً من الوزراء، وحاشية السلطان والأُمراء، وملوك الجزيرة والعراق والجبال، وما كان يمكنه الرجوع إلى فارس خوفًا من أهلها، حتى أُخذ وحُبس بدار الخلافة ثم صُلب (٢).

ذكر مقتله:

قد ذكرنا أنه حُبس في سنة إحدى وثلاث مئة بدار الخلافة، فأقام إلى هذه السنة


(١) في (خ): وقال ابن حوقل ظهر، والمثبت من (ف) و (م ١)، وانظر صورة الأرض لابن حوقل ص ٢٥٧.
(٢) في (ف) و (م ١): بدار الخليفة حتى صلب.