للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي سنة تسع وثلاث مئة، قال الشيخ أبو الفرج (١) في "المنتظم": قد كان هذا الرجل يتكلَّم بكلام الصوفية، فتَبْدُر له كلمات حِسان، ثم يخلطها بأشياء لا تجوز، وكذلك أشعاره، فمن المنسوب إليه: [من السريع]

سُبحان مَن أظهر ناسوتَه … سِرّ سَنا لاهوته الثاقبِ

ثم بدا في خلقه ظاهرًا … في صورة الآكل والشّاربِ

حتى لقد عاينه خلقُه … كلَحْظَةِ الحاجبِ بالحاجب

قال: ولما حُبس استغوى جماعةً فكانوا يستشفون بشُرب بَوله، ويقولون: إنه يُحيى الموتى.

وقال الصُّولي: لما وقف حامد بن العباس الوزير على شيء من كتبه دعا القُضاة والفقهاء والأشراف، وجرت بينهم مُناظرات، فقال لهم حامد: ما تقولون في قتله؟! فنطق بالشهادتين (٢)، فقالوا: لا يمكن قتله بعدها، فأحضروا الرقاع والدفاتر التي أُخذت من عنده، وفيها: أن مَن أراد الحج ولم يُمكنه انفرد في بيت طاهر، وصام وصلى، وفعل أفعال المناسك؛ أجزأه ذلك عن الحج [وذلك من جنس ما ذكرنا من حماقته]، فقال له حامد: أتعرف هذا وتدين به؟ قال: نعم، قال: فمن أي كتاب نقلتَه؟

فقال: من كتاب "الإخلاص" للحسن البَصْري (٣)، وكان القاضي أبو عمر حاضرًا، فقال له: كذبتَ يا حَلال الدَّم، قد سمعنا كتاب الإخلاص بمكة منه وليس فيه شيء من هذا، فقال حامد للقاضي: قد أفتيت بأنه حلال الدم، فضع خَطَّك بهذا، فدافع القاضي ساعة، فمد حامد يده إلى الدَّواة، وقدَّمها إلى القاضي، وألحَّ عليه إلحاحًا لم يمكنه مدافعتُه، فكتب بأنه حلال الدم، وكتب الفقهاء والعلماء خطوطهم بذلك؛ والحلاج يقول: يا قوم، لا يحلّ لكم إراقة دمي، دمي عليكم حرام، أتستحلُّونه بالتأويل؟! فلم يلتفتوا إليه، وردّه حامد إلى الحبس، وبعث بخطوطهم إلى المقتدر، واستأذنه في قتله، فتأخر عنه الجواب (٤)، فخاف أن يبدو للمقتدر فيه رأيٌ لما قد استمال من الخواصِّ، وما كان يُظهر من الزُّهد والنُّسك والرياضة والصيام والعبادة في


(١) في (ف) و (م ١): وقال جدي.
(٢) في (ف) و (م ١): في قتله وقد نطق بالشهادتين.
(٣) في (ف) و (م ١): من كتاب الحسن البصري ويسمى كتاب الإخلاص.
(٤) في (ف) و (م ١): فأبطأ عليه الجواب.