للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دونَ البصر (١).

وقال جدي : كان الهدهد ينظر إلى الماء في باطن الأرض كما ينظره في الزجاج، غير أن القدر إذا نصبَ فَخَّ شخصٍ بُدِّل عَذْبُ نظرِهِ بالأُجاج.

قال ابن عباس: لما نزل سليمان بأرض صَنْعَاء قال الهدهد: إنَّ سليمان قد اشتغل بنزوله عني، فارتفع نحو السماء فنظر الدنيا يمينًا وشمالًا، فرأى بستان بِلْقيس، فمال إلى الخضرة فنزل به، وإذا بهدهدٍ في البستان، وكان هدهدَ بلْقيس، واسمه: عفير، واسم هدهد سليمان: يعفور. فقال له عفير: من أين أقبلت؟ فقال: من الشام مع صاحبي سليمان بن داود. قال: ومَن سليمان؛ قال: ملِكُ الإنس والجن والطير والوحش والرِّيح، فَمَن أنتَ؟ فقال: أنا صاحبُ بلْقيس، مَلِكة عظيمة. فقال له يعفور: أقول لك نبي الله ابن نبي الله داود آتاه الله ملكًا عظيمًا، وأنت تقول امرأة، فقال: هي وإن كانت امرأة فإن تحت يدها اثني عشر ألف قائد- أو قَيْل- تحت يد كل قائد مئة ألف مقاتل. كذا ذكر الثعلبي (٢).

وحكى الثعلبي عن ابن عباس أنه قال: كان معها مئة ألف قَيْل مع كل قَيْل مئة ألف، وقد ذكره جدي في "التبصرة" وفيه بعدٌ (٣).

وقال قتادة: كانت تحت يدها اثنا عشر ألف قَيْل، تحت يَد كل قَيْل اثنا عشر ألفًا- والقَيْل بلغة حمير دون الملك- فهل أنك منطلق معي حتى تنظر إلى مُلكها؟ فقال: أخاف أن يتفقدني سليمان وقتَ الصلاة إذا احتاج إلى الماء، فقال عفير: إنَّ صاحبك يسرُّهُ أن يأتيه خبر هذه المرأة، أو الملكة. فانطلقَ به فأراه قصرها ومُلْكها، وما رجع إلى سليمان إلى وقت العصر.

قال مقاتل: وأمَّا سليمان فلما تفقَّده ولم يره قال: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ [النمل: ٢٠] ومعناه ما للهدهد لا أراه، فَطُلِبَ فلم يوجد، وقيل: إنما طلبه


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣١٣.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣١٣.
(٣) لم نقف عليه في التبصرة، وذكره في زاد المسير ١٠٤٥ (طبعة ابن حزم)، وانظر تفسير الثعلبي ٧/ ٢٠٥، ٢٠٥.