للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنه أخلَّ بالخدمة وترك النوبة في مقامه، وقيل: لأجل الماء، وقد رجح بعضهم أنه إنما تفقده لكونه أخلَّ بالخدمة لا لأنه كان يديه على الماء، قالوا: لأنَّ سليمانَ في عظمته ومملكته أجلُّ من أن يحتاج إلى هدهد يديه على الماء. وليس هذا القول، بشيء لأنَّ عامة العلماء وابن عباس على أنه كان يدلُّه على الماء. والمعنى فيه: أنَّ الله جعله دليلًا على الماء إظهارًا للكمال والقدرة وتعجيزًا لسليمان مع عِظم مملكته، فأحوجه إلى طير حقير يدلُّه على الماء الذي به بقاءُ الأَرواح، ليعلم أنَّ الكمالَ لله، ولئلا يعجب بنفسه.

وقوله: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ قيل: معناه بل كان. ثم توعده فقال: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ واختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: لأنتفنَّ ريشه، قاله ابن عباس والجمهور.

والثاني: لألقينَّه في الشمس ممعوطًا، قاله زيد بن أسلم.

والثالث: لأَجعلنه في قفص، قاله عكرمة.

والرابع: لأحبسنَّه مع غير أبناء جنسه، قاله قتادة.

والخامس: لأُفرقنَّ بينه وبين أحبابه، قاله الحسن.

والسادس: لأمنعنَّه من خدمتي (١).

ثم قال: ﴿لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ جعل الذبح آخر العذاب ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] أي: بحجة واضحة. وقال ابن عباس: كل سلطان في القرآن، فالمراد به الحجة (٢).

قال مقاتل: ولما غضب سليمان على الهدهدِ دعا بعرفاء الطُّيور وهما النسر والعُقاب، وقيل: إنما دعا بالعُقاب، وهو ملك الطير، فقال: عليَّ الساعةَ بالهدهد، فارتفع العُقاب إلى عنان السماء فنظر يمينًا وشمالًا فرأى الأرض كالقصعة، ونظر نحو اليمين وإذا بالهدهد قد أقبل، فانقضَّ عليه العُقاب، فعلم أنه يريده بسوء، فقال له:


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣١٤، والممعوط: المنتوف الريش.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣١٤.