قال مقاتل: لما سمع سليمان هذا الكلام استعظمه فقال: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] يعني بما أخبرت، وإنما قال هذا لأنه استعظم أن يكون في الأرض لغيره سلطان، وخصوصًا امرأة لها مملكة تتسع لما ذكر عنها من الجيوش والعظمة.
ثم إنَّ الهدهد دلَّهم على الماء وكانوا قد عَطشوا فحفروا الرَّكايا وشربوا، ثم كتب سليمان كتابًا، واختلفوا في الذي كان فيه: فقال مقاتل: كان فيه: من عبد الله سليمان ابن داود إلى بِلْقِيس بنت الهدهاد والسلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فلا تعلوا عليَّ وأتوني مُسلمين، وبه قال مجاهد.
وقال الحسن: كتب إليها كتابًا كما أخبر الله عنه ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٠ - ٣١] لم يزد على هذا.
قال ابن جريج: كان سليمان أبْلغ الناس في الكتابة وأقلهم إملاءً، قال: وكذا الأنبياء يكتبون جملًا ولا يطيلون.
فإن قيل: فلمَ قدَّم اسمه على اسم ربِّه؟ قلنا: لأن القوم كانوا يعبدون الشمس من دون الله، ولا يعرفون الله، فخاف أنْ يبدو منهم ما لا يليقُ عند قراءة اسم الله، فقدَّم اسمه لهذا المعنى.
قال مقاتل: ولما كتب الكتاب طبعه بالمسك وختمه بخاتمه، وقال للهدهد: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨)﴾ [النمل: ٢٨] أي: يردُّون من الجواب، فأخذ الكتاب وقصد بلقيس وهي بمَأْرِب.
قال الجوهوي: مأرب موضع (١).
وقال مقاتل: هي أرضٌ طيبةُ الهواء، لذيذة الماء، بينها وبين صَنْعاء ثلاثة أيام.
فوافاها في قصرها وهي نائمة، وأغلقت الأبواب، وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، وهذه كانت عادتها، فجاءها الهدهد وهي مستلقية على قفاها فألقى الكتاب في نحرها.