للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال قتادة: حمله في منقاره وجاء إلى كُوَّةٍ مقابلة الشمس تقع فيها عند طلوعها فتسجد لها، فسدَّ الكوَّة بجناحه، فارتفعت الشمس ولم تعلم، فقامت تنظر، فرمى بالكتاب إليها.

وقال مقاتل: حمله في منقاره وجاءها وهي جالسة وحولها الجيوش والأقيال، فرفرف ساعةً وهم ينظرون إليه، فرفعت رأسها، فرمى به في حجرها، والأول أشهر (١).

ولما رمى به أخذته، وكانت كاتبةً قارئة عربيةً من قوم يَعْرُب، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت، لأن ملك سليمان كان في خاتمه، وعرفت أنَّ الذي أرسل الكتاب أعظم منها، وفهمت من قرائن الأحوال أنَّ مَنْ جنده الطيرُ لا يُحارَبُ. وقرأت الكتاب، وتأخر الهدهد غير بعيد، فجلست على سريرها، واستدعت الأشراف والأَقْيَال وأهل المشورة، وقالت: ﴿قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩].

واختلفوا في معنى كرمه على أقوال:

أحدها: أنه الحَسَن، كقوله: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: ٥٨].

والثاني: شريف، قاله ابن عباس.

والثالث: لأن اسم الله كان في الخاتم الذي طبع به، قاله مقاتل.

والرابع: لأنه كان مختومًا، قاله مجاهد (٢).

وهو الأصحّ لأن كرم الكتاب ختمه، وقد رواه ابن زيد عن ابن عباس مرفوعًا (٣)، ولما كتب رسول الله إلى الملوك قيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا غير مختوم، فاتخذ الختم (٤).

ثم قالت: ﴿قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ [النمل: ٣٢] ﴿قَاطِعَةً﴾ أي: قاضية وفاصلة أمرًا. ﴿حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ أي: تحضرون ﴿قَالُوا﴾ مجيبين


(١) انظر "زاد المسير" ٦/ ١٦٧ - ١٦٨.
(٢) انظر "زاد المسير" ٦/ ١٦٨.
(٣) رواه الطبراني في "الأوسط" (٣٨٧٢) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٩٩: فيه محمد بن مروان السدي الصغير وهو متروك.
(٤) أخرجه "البخاري" (٦٥)، و"مسلم" (٢٠٩٢) (٥٦ - ٥٧)، وأبو داود (٤٢١٤)، والترمذي (٢٧١٨).