للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها قَبض الرَّاضي على المُظَفَّر ومحمد ابنَي ياقوت، وحبسهما في دار الخليفة، وكان ابن مُقْلَة قَلِقًا من غَلَبَة محمد بن ياقوت على تدبير الأمر واستيلائه على الدَّواوين، فأخذ في الحيلة عليه سِرًّا، فتمَّ له ذلك، ولمَّا كان يوم الإثنين لستٍّ خَلَون من جمادى الأولى ركب القُوَّادُ إلى دار السُّلطان على رَسْمهم في أيام المَواكب، وحضر الوزيرُ على عادته، وحضر محمد بن ياقوت وكاتبُه أبو إسحاق القَرارِيطيّ، وجلسوا في الصَّحْن التّسْعيني، فخرج بعضُ الخدم فقال لمحمد بن ياقوت: الخليفةُ يطلبُك. فقام مُبادرًا ودخل، فعَدَلوا به إلى حُجْرة في الدِّهْليز، فاعتقلوه بها، وأخذوا سيفَه ومِنْطَقَتَه، وفعلوا بالقَراريطي والمُظَفَّر بن ياقوت كذلك، وجلس عند أخيه.

ورتَّب الوزير الغِلْمان الحُجَريّة والسَّاجِيّة في دار السُّلطان ليَحفظوها، وبعث بمُفْلِح الخادم الأسود إلى دار محمد بن ياقوت ليحفظها، ونُهِبَت دورُ القراريطي وأصحابِ ابن ياقوت.

وقلَّد الرَّاضي حُجْبَتَه مكان ابنِ ياقوت أبا فَهْم مولى الراضي، وأخذ الوزيرُ خطَّ القراريطي بخمس مئة ألف دينار، واستقامت الأمورُ لابن مُقْلَة في الأمر والنَّهي، والولاية والعَزْل من غير مُنازع.

وفيها شَغَب الجُنْدُ على ابن مُقْلَة، ونَهبوا دارَه، فأرضاهم بمالٍ، فسَكَنوا.

وفي جُمادى الأولى جَرت فتنةٌ عظيمة ببغداد من البَرْبَهاري الحَنْبَلي وأصحابه، فأمر الراضي بدرًا الخرشني أن يركبَ ويُنادي في جانبي بغداد: أن لا يجتمع أحدٌ من أصحاب البَرْبهاري، واستتر [البَرْبَهاري]، وكتب الراضي كتابًا إلى الحنابلة أغلظ لهم فيه (١).

وفي هذا الشهر هَبَّت ببغداد ريحٌ عظيمةٌ (٢)، واسْوَدَّت الدنيا وأظْلَمت من العصر إلى المغرب، وجاءت رُعودُ عظيمةٌ، وبُروق هائلة.

وفي جُمادى الآخرة شَغَب الجُندُ بالمطالبة بالأرزاق، وصاروا إلى دار ابن مُقْلَة وابنه، ونَقَبوا الدَّار، ورَماهم الغِلمان بالنُّشَّاب، ودخلوا الدار ومَلَكوها، وخرج ابن


(١) أخبار الراضي ٦٥، وتكملة الطبري ٢٩٤، والمنتظم ١٣/ ٣٤٩، والكامل ٨/ ٣٠٧، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤١٦ وما بين معكوفين منها.
(٢) في (ف م ١): وفيها في جمادى الآخرة هبت ببغداد ريح وأرياح عظيمة. والمثبت من (خ)، وانظر المنتظم ١٣/ ٣٤٩، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤١٧.