للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واتَّفق أنَّ ابن مُقْلَة يَنحدر إلى الراضي سِرًّا، ويُقيم عنده إلى أن يَتِمَّ التَّدبير، فركب من داره بسوق العَطَش وعليه طَيلَسان، وذلك ليلة الخميس لثلاث بقين من رمضان، وتعمَّد تلك الليلة لأنَّ القمر تحت الشُّعاع، وهو يُختار للأمور التي تَصْلُح للكِتمان (١).

فلمَّا وصل إلى دار الخليفة لم يُوصِله إليه، وعدل به إلى حُجرةٍ فاعتُقل فيها.

وبعث الراضي إلى ابن رائق في أمره فاخبره الخَبَر، وما زالت الرسائل تتردَّد بين الخليفة وابن رائق في أمره، فلمَّا كان يوم الخميس لأربع عشرة خلَت من شوال أظهر الخليفة أمرَه، واستفتى العلماء في أمره، وذَكر ما أشار به من مجيء بجكم وقَبْض ابن رائق، فيقال: إنَّ القضاة أفتَوا بقطع يده (٢) لأنَّه سعى في الأرض بالفساد، فأخرجه الراضي إلى دِهْليز التِّسعيني، وأُحضر فاتك حاجبُ ابن رائق وجملة من القُوَّاد، وقُطعت يدُه اليمين، ورَدَّه إلى محبسه (٣).

قال ثابت بن سنان: فاستدعاني الراضي، وأمرَني بالدخول عليه وعلاجِه، وفتح لي الخدم باب الحبس (٤)، فدخلتُ عليه، فإذا به جالسٌ يبكي، ولونُه مثل لون الرَّصاص، فلمَّا رآني شكا إليَّ ما يُلاقيه من ضَرَبان ساعِده (٥)، فحَلَلْتُ الخِرْقَة وعلى القَطْع سِرْقين الدَّوابّ (٦)، فطَلَبتُ كافورًا، فبعث به الراضي من عنده (٧)، فطليتُ به ساعِدَه، فسَكَنَ الضَّرَبان.

وخرجتُ من عنده بعد أنْ أطعمتُه مقدار عشرين لُقمة من طعام، وكنتُ أتردَّد إليه فعرضت له علَّة النِّقْرِس في رِجْله اليسرى، فكان يتألَّم من ذلك، فدخلتُ عليه يومًا وهو


(١) تكملة الطبري ٣١٥، وفي الكامل ٨/ ٣٤٥: فحضر متنكرًا آخر ليلة من رمضان وقال: إن القمر تحت الشعاع، وهو يصلح للأسرار، فكان عقوبته حيث نظر إلى غير الله أن ذاع سره وشهر أمره.
(٢) قال الذهبي في تاريخه ٧/ ٤٢٦: ولم يصح.
(٣) من قوله: وسببه أن محمد بن رائق لما صار إليه تدبير المملكة … إلى هنا ليس في (ف م ١).
(٤) في (ف م ١): السجن.
(٥) في (ف م ١): من ألم ساعده قبل أن يقطع لسانه، والمثبت من (خ). والضربان: الألم والوجع.
(٦) هو الزِّبْل.
(٧) في (ف م ١): فشاور الخادم الراضي فبعث به من عنده.