للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وحكى عنه ابن جَهْضم قال:] (١) نزلتُ على قبيلة من العرب في البادية، فأضافوني، فرأيتُ غلامًا أسودَ مُقيَّدًا، وجِمالًا مَيتة بفِناء البيت، فناداني الغلام: أنت ضيفٌ، ولك حقٌّ، فاشفع فيَّ إلى مولاي فإنَّه لا يَرُدُّك.

فلما حضر الطعام قلتُ لصاحب البيت: لا آكلُ طعامَك حتى تُطلق هذا العبد، فقال: إنه أفقرني وأتلف مالي، قلتُ: وكيف؟ قال: كنتُ أعيشُ من هذه الجمال التي ترى، وصوته طَيِّبٌ، فحمَّلها أحمالًا ثقالًا وحَدا لها، فقطعت مسيرةَ ثلاثة أيام في يومٍ واحد، فلمَّا حطَّ عنها أحمالها وقعت ميتةً كما ترى، ولكن قد وهبتُه لك، وحَلَّ القيدَ من رجله، فقلت: أحبُّ أن أسمعَ صوتَه، فحَدا وهناك جملٌ يُستقى عليه الماء، فهام الجمل على وجهه وقطع حِباله، ووقعتُ مَغشيًّا عليَّ، وما سمعتُ صوتًا أطيبَ من صوته.

وأنشد الدُّقِّي يقول: [من مجزوء الكامل]

إنْ كنتَ تُنكر أنَّ للأصـ … ــــواتِ فائدةً ونَفْعا

فانظُر إلى الإبل اللواتي … هنَّ أغلظُ منك طَبْعا

تُصغي إلى حَدْو (٢) الحُدا … ةِ فتقطعُ الفَلَواتِ قَطْعا

[ذكر نبذة من كلامه:

حكى عنه السُّلَمي أنه] قال: كلامُ الله تعالى إذا أشرف على السَّرائر أزال عنها رُعونةَ البشرية (٣).

وقال: بُني أمرُنا هذا على أربع: لا نأكلُ إلا عن فاقة، ولا ننامُ إلا عن غلبة، ولا نتكلَّم إلا عن وَجْد (٤)، ولا نسكت إلا عن خِيفة.


(١) ما بين معكوفين من (ف م م ١)، والخبر في تاريخ دمشق ٤٩/ ٦٢ من طريق ليس فيه ذكر لابن جهضم. وانظر مناقب الأبرار ٢/ ١٦٣.
(٢) في (خ): نغم، وكلاهما صحيح.
(٣) طبقات الصوفية ٤٤٦، وما بين معكوفين من (ف م م ١).
(٤) في (ف م م ١): رفد.