بعث إليه فوهيار الدَّيلَميّ -وكان قد اختار المقام عند سبكتكين- يقول لعز الدولة: قد جنيتَ على نفسك جِنايةً عظيمة بما دبَّرْتَه، وإني لك على ما عاملتَني به خيرٌ لك ممن تَسْتَجيش به علي، هؤلاء الغلمان قد نَفروا عنك نُفورًا لا يَسكنون إليك أبدًا، فاقبل منّي، وأفرج عن واسط لتكون هي وبغداد في يدي بإزاء أموالهم، وخذِ البَصرة والأهواز بإزاء مالِ الدَّيلَم، واجعل أمري وأمرَك واحدًا، ولا تفتح بابًا للحرب فلستَ من أهلها ورجالها، واعلم بأنني ناصِحٌ لك، ومُشفِق عليك من عُقبى المخالفة، حافظٌ به لك وصيَّةَ مولاي ﵀ فيك -يعني معزّ الدولة- التي ما حفظتَها أنت فيّ، والسلام.
فعرض عزُّ الدولة هذه الرسالة على الدَّيْلَم فأكبروها، ورَدُّوا فوهيار أقبحَ ردّ، فلما أُخبر سُبكتكين بذلك شرع في الاستعداد للحرب، وعَمل على المسير إلى واسط، وقدَّم أمامَه كتابًا من الطائع إلى عزِّ الدولة مع رجلٍ عَلَوي فيه:
من عبد الله عبد الكريم الإمام الطائع لله أمير المؤمنين إلى عزِّ الدولة أبي منصور مولى أمير المؤمنين: سلامٌ عليك، أما بعد، فإن أميرَ المؤمنين يَحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ويسأله أن يُصلِّي على محمدٍ عبده ورسوله ﷺ. وذكر الإسلامَ وفضلَه، والخلفاءَ المتقدِّمين، وحذَّر فيه من الفتنة، ووَعَد وأوعد، ثم قال: فإن انتقَلْتَ إلى حيث تُقلَّد من الأصقاع، وتَعدل في أهله، وتَصْدِفُ عن سَنن الجَوْرِ في معاملتهم؛ قابلناك بما تستحقُّ من الإكرام، وإن أبيتَ وأقمتَ على ما لا يَسوغُ الصَّبْرُ عليه في الدِّين والسِّياسَة؛ قَصدْناك بجيوشنا، ونَفَرنا إليك كالنُّفور إلى الثغور، وهذا كتابُ الإنذار قبل بادِرَةِ القَصْد، فاخترِ الأَعْوَدَ والأجدى، وعَجِّل بالإجابة فإنا نتَوَكَّفُها (١)، وإن كنَّا غيرَ لابِثينَ إلا رَيثَ وصول الجواب، والسلام.
فلما وقف عزُّ الدولة وأبو طاهر بن بَقية على الكتاب استَفْحَشا ألفاظَه لما فيه من التَّقصير في خطاب عز الدولة، والتَّحَكُّمِ عليه ونسبته إلى الجَوْرِ والظُّلْم، وما فيه من