للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانحدر، فلما صار بواسِط أظهر الخلاف على عضد الدولة، والإنكار لما جرى على عزِّ الدولة، وقَبَض على القُوَّاد الذين ضَمَّهم إليه -وذلك في شعبان- وكاتبَ عمران بن شاهين وغيرَه، فأجابوه لما يريد.

وكان أبو كاليجار بن عز الدولة بالبصرة، فكاتبه، وجعل في نفسه متى قصده عضد الدولة صار إلى البصرة، ثم لم ير أن يذهب إلى البصرة خوفًا من عامله، فعوَّل على قصد عمران بن شاهين متى دَهَمه أمر.

وتبيَّن لعضد الدولة فسادُ الرأي في ابن بقية، وتخلية سبيله، فراسله بأبي الفَضْل أحمد الشِّيرازي وأبي طاهر المقنعي الشاهد يقول: قد عرفتَ ما عاملناك به، وأسْدَينا الصَّنيعةَ إليك فيه، ولم يَتجدَّد بعد انحدارِك من حَضرتنا ما يُوحِشُك ويَحملُك على ما بدا منك، فإن كان بلغَك شيءٌ فعَرِّفْنا حتى نُبْطِلَه، ونُعطيك من الوَثيقةِ ما يَتكامل لك السُّكونُ به، وإن كنتَ تُريد زيادةً على ما أعطيناك زِدناك.

فلم يلتفت إلى رسالته، وكان جوابُه لعضد الدولة: وَقَفْتُ على الرسالة والأمان، فوَجدْتُ معانيهما مبنيَّةً على المَخْرَقَة (١) المستمِرَّة، والزَّخْرفَة المُستحيلة، وما زال الله يَلْطُفُ بي عند وقوعي في تلك الوَرْطة التي لا أرانا الله في مولانا عزِّ الدولة شِبْهَهَا، حتى تَخَلَّصْتُ منها خلاصَ المَظْلوم (٢)، وأفلتُّ منها إفلاتَ المَكْلوم، وقد جَعلتُ دوني سيوفًا حِدادًا، وسواعدَ سِدادًا، وقد أعطيتَ قبلي أُناسًا أمانًا قولًا، وأسقطْتَهُ فعلًا، فلم تَفِ بشيءٍ منه، بل صَدَفْتَ عنه، فيا ليتَ شِعري أيَّ أمانٍ تُعطيني وقد حلفتَ أيمانًا ونكثتَها، ومنها قصَّةُ مولانا عز الدولة: لما اطمأنَّ إليك انتهَزْتَ فُرْصَتَه، واستَلَبْتَ غُرَّتَه، وفرَّقْتَ بين ولده وبينه، واستَولَيتَ على ممالكه وأَنْشَبْتَ مَخالِبَك فيها، والله يأخذُ الباغي، ويُهلِكُ الظَّالم، وكتب إليه: [من الطويل]

إذا المَرْءُ لم يَحْتَلْ وقد جَدَّ جَدَّه … أضاعَ وقاسى أمرَه وهو مُدبِرُ

ولكنْ أخو الحَزْمِ الذي ليس نازِلا … به الخَطْبُ إلا وهو للقَصْدِ مُبْصِرُ


(١) في (ب): المحزمة، وفي (خ): المحرفة، ولعل المثبت هو الصواب، ولم أقف على نص الرسالة.
(٢) أورد الهمداني في تكملة تاريخ الطبري ٤٤٠ نص إلرسالة من هذا الموضع.