للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: أحسِنْ إليهم، وجاءه ثانيًا وثالثًا وهو يقول كذلك، فجاءه في الرابعة وقال: يا نبيَّ الله قد ازداد طغيانهم، فسألتك بالله إلا دعوتَ عليهم بالهلاك. فقال إرميا: إلهي إن كانوا على حقٍّ وصوابٍ فأَبقهم، وإن كانوا على عملٍ لا ترضاه فأهلكهم. فلما خرجت الكلمة من فيه أرسل الله صاعقةً على بيت المقدس من السماء، فأحرقت مكان القُربان، وخسفت بسبعة أبواب من المسجد. فلما رأى إرميا ذلك صاح وشقَّ ثيابه وقال: يا رب أين ميعادك؟ فنودي وهل أصابهم العذاب إلا بفتياك ودعائك عليهم؟! فعلم أن ذلك السائل كان ملكًا أرسله الله إلى إرميا. فخرج إرميا من ساعته فخالط الوحشَ، وقيل: غير ذلك.

ونزل بُخْتَ نَصَّر على القدس، وقال وهب: نزل بُخْتَ نَصَّر الشام، وكان قد أتى من بابِل، فنزل على دمشق، فصالحه أهلها فأقام، وبعث بعض قوَّاده إلى البيت المقدَّس فصالحه ناشئة المَلِك مِن ولد دَاود على مالٍ ورهائن، فقال له بنو إسرائيل: داهنت علينا فقتلوه، وبلغ بُخْتَ نَصَّر فسار إليهم وفتح بيت المقدس عنوة، وهدم المسجد وأخرب بيوت العبادات، وأحرق التوراة، ورمى على الصخرة الجيف حتى عفَّى آثارها، وأحرق البيوت، وحمل معه من الجواهر والأموال ثمانين عَجَلَة، وهدم الحصون، وأسر سبعين ألف غلام من أولاد الأنبياء، وسار إلى بَابِل.

واختلفوا في إرميا على أقوال:

أحدها: أنه صار مع الوحش، ذكره الثعلبي.

والثاني: أنه كان محبوسًا، فأطلقه بُخْتَ نَصَّر وقال: بئس القوم قوم عَصَوْا رسولَ ربهم.

والثالث: أنه مضى إلى مصر.

والرابع: أنه مضى مع بُخْتَ نَصَّر إلى بابِل (١).

قال ابن إسحاق: أمر بُخْتَ نَصَّر جنوده بأن يملأ كلُّ واحد ترسه ترابًا ثم يقذفه في القدس، ففعلوا، واختار من أولاد الأنبياء سبعين ألفًا، وقيل: مئة ألف، فقال له


(١) تفسير الثعلبي ٦/ ٧٥، وانظر "المنتظم" ١/ ٤٠٧.