وبعث بالكتاب مع خادم من خَدَمه، فلما قرأه قال للخادم: الجوابُ يكون مُشافهةً لأمير المؤمنين.
ولما أشرفت الحالُ على الحرب ردَّ عزُّ الدولة الطائعَ إلى بغداد، ونزل عضد الدولة برامَهُرْمُز، ونزل عز الدولة عند قَنْطَرة أرْبَق وقطعها بينهما، فعمل عضد الدولة سُفنًا، وعبر عليها هو وعسكرُه.
فلما كان يوم الأحد لإحدى عشرة ليلةً خلت من ذي القَعدة التقى الفريقان، فاستأمن إلى عضد الدولة مُعظَمُ خواص عز الدولة وأعيانُ عسكره، فانهزم هو وابن بقية وعمدة الدولة إلى ناحية البصرة، وعبروا دُجَيل الأهواز، وألقى عز الدولة سلاحَه عن نفسه، وتلثَّم لئلا يُعرَف، وجُرح فرسُه، وعاين التَّلَف، ولَحِقه ابن بقية، وعُمدة الدولة، وحَمدان بن أبي تغلب، واجتمعوا في مَطارا، ونُهِبت الخزائنُ والأموال، وشيءٌ لا يُحصيه إلا الله تعالى (١).
ثم وَردوا قريبًا من البَطائح على حالي سَيِّئة، وبعث إليهم عمران بن شاهين زَواريقُ فيها طعامٌ وثيابٌ وسِلاح، ونزلوا في الماء واخترقوا البطائح، فتلقَّاهم عمران في عسكره، وقبَّل يد عز الدولة، وأنزله، وأكرمه، وأقاموا عنده ثلاثة أيام، وصحَّ قولُ عمران لما راسلَ عز الدولة وقال: إنك ستحتاج إليَّ، وتحصل في يَدي، ثم ساروا إلى واسِط.
وفيها تَنكَّر عز الدولة على أبي طاهر بن بقية لما وصل إلى واسط، وقال: كنتُ على عَزْمِ المُقام بواسط، ومالي مَحروز، وعَسكري بحاله، أشرتَ عليَّ أن أَمضيَ إلى الأهواز حتى جَرى ما جَرى، أنت أخرجْتَني من نعمتي، وضَيَّعتَ أموالي، وشَتَّتَّ عساكري، فقال له ابن بقية: قد يجري على الملوك ما هو أعظم من هذا، وعليَّ أن أَلُمَّ شَعَثَك، وأُصلحَ أحوالك، ورجع إليه كثيرٌ من الدَّيلَم والأتراك، واستَجدَّ خِيَمًا وسلاحًا، وانضاف إليه مَن كان بالبصرة وبغداد، وكان لابن بقية بواسِط ذَخيرةٌ، فرجع إليها، وأطلق، وخَلَع على الجُنْد.