للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنْ قال: أنا بُخْتَ نَصَّر، فقل: كذبت، فحبس الله عن دانِيال البول، وكان أول مَن قام ليبول بُخْتَ نَصَّر، وكان ليلًا، فخرج فلما رآه البوَّاب شدَّ عليه ليضربه فقال: أنا بُخْتَ نَصَّر، فقال: كذبت وضربه بالطَّبَرْزِين فقتله (١).

وذكر محمد بن إسحاق في هلاك بُخْتَ نَصَّر وجهًا آخر عن الحسن البصري قال: لما أراد الله هلاك بُخْتَ نَصَّر قال لمن في يده من بني إسرائيل: أرأيتم هذا البيت الذي أخربتُ؟ بيت من هو؟ والناس الذين قتلتُ، مَنْ هُم؟ قالوا: بيتُ الله ومسجده، وأولاد الأنبياء، عصوا فسلطك الله عليهم بذنوبهم، وإنَّ ربَّهم هو الله ربُّ السماوات والأرض، قال: فأخبروني ما الذي يطلع بي إلى السماء العليا، لعلِّي أقتل إلاهها وأتخذها مُلْكًا فإني قد فرغتُ من الأرض وكان قد مَلَكها فقالوا: لا يقدر على ذلك إلا الله، فقال: لَتفعلُنَّ أو لأقتلنَّكم جميعًا، فبكَوا وتضرعوا إلى الله فأرسل الله عليه بعوضة فدخلت في منخره حتى عضَّت دماغه، فلما أيقن بالهلاك قال لخواصه: إذا متُّ فشقوا رأسي وانظروا ما الذي قتلني، فلما مات شقوا رأسه، وإذا بالبعوضة عاضَّة على دماغه، فعلموا قدرة الله - وسلطانه وضعف عباده وعجزهم، ونجّى الله من بقي من بني إسرائيل منه وردّهم إلى الشام (٢).

قلت: وقد روى حذيفة عن النبي أنه ذكر بُخْتَ نَصَّر فقال: "مَلَّكهُ الله سبع مئة سنة، وأَنه حَاصَر بيت المقدس وفتحه، وقتل على دَم يَحْيىَ بن زَكَريَّا سَبْعين أَلفًا" (٣). وذكر حديثًا طويلًا. وبنى جماعة من العلماء على هذا وقالوا: إنّ بُخْتَ نَصَّر كان في زمان يحيى، وأنه إنما غزا بني إسرائيل بسبب قَتْلهم ليحيى.

وكذا حكى أبو القاسم في "تاريخ دمشق" فإنه قال: كان أمر بُخْتَ نَصَّر قبل عيسى، وقيل بعدما رُفع، وكان من حديثه أن دانيال الأكبر قرأ في التوراة يومًا فأتى على هذه الآية: فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا فقال: يا ربِّ مَن هذا الذي جعلت


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٤١.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٤٢.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٤/ ٤٥٨، وأورده ابن كثير في "تفسيره" (٣/ ٣٨) فقال: وروى ابن جرير في هذا المكان حديثًا أسنده عن حذيفة مرفوعًا مطولًا، وهو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث، والعجب كل العجب كيف راج عليه مع جلالة قدره وإمامته، وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزِّي بأنه موضوع مكذوب.