للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليَّ فَمِنْ ثيابٍ قَطَعها لي، إنَّني منذُ أربعين سنة ألبَسُها يوم خروجي إلى الناس، وأطويها عند انصرافي عنهم، فما أصنَعُ بهذه؟ فقلتُ: فإنه يأمُركَ أن تصرِفَها في فقراء أصحابِكَ. فقال: ما في أصحابي فقيرٌ، هو وأصحابُه أفقَرُ مني. وخرج ولم يأخُذْ شيئًا، فعدتُ إلى الملك فأخبرتُه فقال: الحمد لله الذي سلَّمنا منه وسلَّمه منَّا.

وقال الخطيب: ذكر ابن سَمْعون على كرسيِّه ليلةَ نصف شعبان الحلواءَ، وكانت مزنةُ جاريةُ أبي سعيد الصائغ حاضرةً، وكان الصائغ تاجرًا موسرًا، ومنزله بدرب رياح، فلمَّا أمسى ابنُ سَمعون جاءه غلامٌ ومعه طبق فيه خُشْكَنانك (١)، فقال: من أين هذا؟ قال: من مُزنة. فكسر واحدةً، فوجد فيها دينارًا، ثم كسر أخرى، فوجدها كذلك، فعدَّ الجميع، فإذا بها خمس مئة خُشْكَنانكة، وفيها خمس مئة دينار، فأخذه وأتى به إلى الصائغ، وقال له: قد وجدتُ هذه الدنانير، وأريد أن يكون جوابُكَ أن لا يعلم أهلُ دارِك، فلعلَّ هذا عُمِلَ ولم تعلم به. فقال: مَعاذ الله أن يحضر مجلسَكَ من فيه ريبة، واللهِ ما تركتْ مزنةُ الدنانير في الخشْكَنانك إلا بحضرتي، ولقد ساعدتُها على ذلك.

وقال ابن سَمعون: كنتُ أنسخ بالأجرة، وأُنفِقُ عليَّ وعلى أمي، فقلت لها يومًا: أشتهي الحجَّ. فقالت: وأين النَّفقة التي توصِلُكَ؟ ثم نامت، وانتبهت فقالت: رأيتُ النبي وهو يقول: دَعيه يَحُجُّ، فهو خير الدنيا والآخرة. قال: فحججتُ، فلمَّا دخلتُ البيتَ سألتُ الله الغنى. فلمَّا عُدْتُ إلى بغداد وجدتُ الخليفةَ قد حرَّمَ على نفسه جاريةً له، وكرِة أن يَشيعَ ذلك، فسأل عن رجلٍ صالح يُزوِّجه إيَّاها، فدلَّ عليَّ، فزوَّجني إيَّاها، ونقل إليَّ من الأموال والطِّيب والثياب ما أغناني به عن الناس.

وكان الرَّصَّاصُ الزاهدُ يُقبِّل رِجْلَ ابنِ سَمعون دائمًا، فلا يمنعه، فقيل له في ذلك، فقال: كانت في داري صبيَّةٌ خرج في رجلها ريح الشوكة (٢)، فرأيتُ النبيَّ في المنام، فقال لي: قُلْ لابن سَمعون يضَعْ رِجْلَه عليها، فإنَّها تبرأ. فأتيتُه فأخبرتُه، فجاء إلى داري ووضع رِجلَه عليها، فقامت تمشي، وبَرِئت، فأنا أُقَبل رجلَه أبدًا.


(١) الخُشْكَنانك: نوع من الكعك. تكملة المعاجم ٤/ ١٠٣.
(٢) ريح الشوكة: مرض سببه أخلاط حادة تنفذ في العظم فتأكله. القانون في الطب ٣/ ٢٤٢.