للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السواذج (١) والرُّكُب الخشب، وفي كلِّ صليب أربعة أرطال بالبغدادي، والخشبة التي يعلِّقها اليهودي كالمِدقَّة، وزنُها ستة أرطال، وإذا دخلوا الحمامات علَّقوا في أعناقهم أجراسًا؛ ليتميَّزوا عن المسلمين. فلمَّا كان قُبيل قتل الحاكم عدلَ عن هذه الطريقة [معهم]، وفسَحَ لمن أسلم منهم أن يرجع إلى دينه، فارتدَّ أكثرُهم، وأمر بإعادة البِيَعِ المهدومة، فرجعَتْ إلى أحسنَ ما كانت عليه من العمارة، فيقال: إنه عاد في أسبوع واحدٍ من النصارى ستةُ آلاف حين أعادَ بِيَعَهم وكنائسهم، وأقرَّهم على دينهم (٢)، [وفرحتِ العامَّة وقالوا: قد نزَّه اللهُ مساجدَنا ومواضعَ صلواتِنا عمَّن يعتقد خلافَ ما نعتقد. وقيل: إن الحاكم هو القائل: نُنزِّه مساجدنا مواضعَ صلواتنا عنهم. وهو غلطٌ على كلِّ حال، وقد كان الواجب قتل من ارتدَّ منهم عن الإِسلام.

قلت: ما ذكره ابن الصابئ في صفة إشعال القناديل على الوصف الذي ذكره لا يصح؛ فإنِّي] سكنتُ في البيت المقدس عشرَ سنين، وكنتُ أدخلُ إلى القُمامة (٣) في يوم فصحهم وغيرِه، وبحثتُ عن إشعال القناديل في يوم الأحد [ويسمُّونه] عيد النور، و [ذلك لأنَّ] في وسط القُمامة قُبَّةً فيها قبرٌ يعتقد النصارى أنَّ المسيح لمَّا صُلِبَ دُفِنَ فيه، ثمَّ ارتفع إلى السماء، فإذا كانت ليلة السبت في السَّحر دخلوا إلى هذه القُبَّة فغسلوا قناديلها، ولهم فيها طاقاتٌ مدفونةٌ في الرُّخام، وفي الطاقات قناديل قد أُوقِدت من السَّحر، ولِلقُبَّة شبابيك، فإذا كان وقتُ الظُّهر اجتمع أهلُ دين النصرانية [من كلِّ فجٍّ عميق] (٤)، وجاء الأقِسَّاء فدخلوا القُبَّة، وطاف النصارى من وقت الظهر حولها يتوقَّعون نزول النور، فإذا قارب غروبَ الشمس تقول الأقِسَّاء: إن المسيح ساخطٌ عليكم. فيضجُّون ويبكون، ويرمون على القبر الذهب والفضة والثياب فتحصل [لهم] جملةٌ كبيرةٌ، ويُردِّد القِسِّيسُ هذا القولَ وهم يبكون ويضِجُّون ويرمون ما معهم،


(١) السَّاذج: الخالص غير المشوب وغير المنقوش. المعجم الوسيط (سذج).
(٢) هكذا في (خ) (ب)، وجاء في (م) و (م ١): فيقال: إنه عاد في أسبوع واحد ستة آلاف إلى دينهم.
(٣) في (م) وحدها: القيامة. وكلاهما صحيح؛ قال ابن الأثير في الكامل ٩/ ٢٠٩: والعامَّة تسمِّيها القيامة.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) وحدها.