للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النار في الحطب.

قوله: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ وهم: بنو العم والعصبة، خاف أن يتولوا صحائف علومه ونبوته.

وقيل: إنما سأل الولد، ليساعده على عبادة ربه، فإنه كان فردًا فطلب الولد.

وذكر السُّدِّي: أنه خاف أن يتولوا ماله على وجه الميراث. وهو وهم منه، فإن الأنبياء لا يخلفون دينارًا ولا درهمًا بالحديث (١)، فسأل الولد لئلا ينقطع ذكره، ولا يموت العلم.

وإنما قال: ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ [مريم: ٥] ولم يقل: عاقرة، لأنه أجرى الكلام مجرى حائض وطالق، والعاقر من النساء والرجال مَن لا يولد له. قال ابن عباس: وكان ابن عشرين ومئة سنة، وامرأته بنت ثماني وتسعين سنة (٢).

فإن قيل: وأين زكريا من يعقوب بينهما دهر طويل؟ قلنا: الجواب من وجهين:

أحدهما: أن جميع بني إسرائيل من نساء يعقوب.

والثاني: أن المراد به: يعقوب بن ماثان، وهو أخو زكريا، وفي الحديث عن النبي قال لما قرأ هذه الآية: "يرحم الله زكريا، وما كان عليه من ورثة" (٣).

قوله تعالى: ﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ﴾ [مريم: ٧] فإن قيل: ففي مريم هذه الآية، وفي آل عمران [الآية: ٣٩]: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ فقد حصل المقصود بالبشارة الأولى، فما الفائدة في الثانية؟ قلنا: هو تأكيد للبشارة، وليعلم أن الله قد أجاب سؤاله فيفرح.

وقال ابن عباس: دخل عليه المذبح شاب من أحسن الشباب، فخاف منه فقال له: لا تخف أنا جبريل وبشره.


(١) وهو قوله : "إن العلماء هم ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا" أخرجه أحمد في "مسنده" (٢١٧١٥).
(٢) انظر "التبصرة" ١/ ٣٤٠.
(٣) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ٦٤/ ١٧٢ عن قتادة مرسلًا.