نسمع رسالتَه. فدعا وشكر، وكان نفسُ الحاجب مع أبي كاليجار وقد يئس من جلال الدولة، ولمَّا كان تاسع عشر جمادى الأولى ركب الغلمان وقصدوا دار الملك، وصاحوا وسبُّوا، وطلبوا أرزاقهم، فأرسل الملك إلى [أبي] المنيع ودُبيس بن مَزْيَد بالاستدعاء إلى بغداد، وكان بعضُهم بالأنبار، وبعضُهم بأوانا، وعزم على مفارقة بغداد، وركب الغِلمانُ إلى دار الخليفة وراسلوه يقولون: نريد الحاجب، فقد هلَكْنا من الفقر والجوع، وهذا الملك غافلٌ عنَّا بلَذَّاته، فنريد الحاجبَ ليُدبِّر أمرنا. فقال الخليفة: هذا الحاجب مقيمٌ عندنا على سبيل الإجارة، وحالُه مع الملك ما قد علمتُم، فكيف نُطلقه على وجه المراغمة، وإن شئتم خاطَبْنا الملِكَ فيكم لينظر في حالكم. فقالوا: ما نريد إلا الحاجب. فقال: قد ضاق الوقتُ اليومَ، تعالوا غدًا حتَّى ننظر. فلمَّا كان من الغد حضر بالسلاح خلقٌ كثيرٌ من باب النُّوبي إلى باب المراتب، وصاحوا وشَغَبوا، وغُلِّقت الأبواب، وخِيفَ من حدوث فتنة، فأرسل الخليفة إلى الحاجب ما ترى؟ فقال: الخروجَ؛ لأدبِّر أمرهم، وإلَّا خفتُ على الدار وخرْقِ الهيبة. ففُتِحَ البابُ، فقبَّلَ الحاجبُ العتبة دفعتين، وخرج، وقدَّموا له مركبَة، وسار، فنزل الغلمان، وقبَّل الأرض بين يديه، فقال لهم: قد عرفتُم جلال الدولة وجرَّبتُموه طويلًا، وصلاحكم في الملك أبي كاليجار، فإنه أقْوَم بتدبير الملك، وله مال وأعمال وقلاع، وهو فيكم راغب، قريبٌ منكم بالأهواز، فأخرِجوا هذا الملك من بينكم، وعندي من المال ما تريدون، ونائب الملك أبي كاليجار واصلٌ معه المال، وهو يُدبِّر أمرَكم، وكان يوم الجمعة، فأظهروا شعارَ أبي كاليجار، ونادَوا باسمه، ودخل منهم قومٌ إلى الجامع المجاور لدار الخلافة، وقد صلَّى الخطيبُ الجمعةَ، فقالوا له: كيفَ خطبتَ؟ فقال: على الرسم. فقالوا: ارجِعْ واصعَدِ المنبر واخطُبْ لأبي كاليجار. فقال: لا يجوز ذلك، ولو جاز ما أمكن إلا بإذن الخليفة. وبلغ الملكَ، فأزعجه ذلك، وأراد الخروج من بغداد، فتنبَّه أصحابُه وقالوا: اصبِرْ، فمَعَنا كبراؤهم، وهم يراسلونك. فتوقَّف، ثم استحلفهم الحاجب على طاعة أبي كاليجار، فإنهم يموتون دونه، فحلفوا، وأعطاهم من المال ما أرضاهم به، وانصرف إليه جماعةٌ من الإسْفَهسلارية، فكسر الأواني وأرضاهم، وبلغ الملكَ -وكان معسكرُه بالكَرْخ عند دار المرتضى- أنَّ الحاجب على