للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعليٌّ في آخرين (١)، ومعناه: هل تقدر أنْ تسأل ربَّك.

فإنْ قيل: فهذه القراءة أجود مِنْ الأولى، لأن في الأولى نوع شكٍّ واجتراء على الله تعالى، والجواب: أنَّه لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يَظُنَّ في الحَوَارِّيين ذلك، وإنما معناه هل يفعل ذلك بمساءلتك إيَّاها. ذكره ابن الأَنْبَاريِّ.

قلت: وقول الله إخبارًا عن عيسى ﴿اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ١١٢] يدل على عكس ما ذكره ابن الأَنْبَاري، لأن معناه: أتنسبون إلهكم إلى العَجْز، وقد قيل: إنَّما قالوا ذلك قبل أنْ يصحبوه ويشاهدوا معجزاته، فإنَّ إيمانهم لم يكمل بعد، فأمَّا في الأخير فلا.

وقال ابن عباس: معنى الآية: واتقوا الله ولا تسألوه ما لم يسأله أحدٌ مِنْ قبلكم.

وأمَّا المائدة: فقد قال الثعلبي: قال أهل الكوفة: إنَّما سميت مائدة لأنها تميد بالآكلين عليها.

قلت: وليس هذا القول بشيء، لأن المائدة لا تميد بنفسها وإنما يميد من عليها، وقال الجوهري: المائدة الخوان إذا كان عليه طعام، أما إذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة، وهو خوان (٢). وعلى هذا ألفاظٌ كثيرة.

قالوا في الجواب: ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا﴾ [المائدة: ١١٣] وهذا اعتذار منهم حين نهوا عنها ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ [المائدة: ١١٣] بالإيمان ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ بأنَّك رسول الله. وقال مجاهد: وتطمئن قلوبنا بأنَّ الله قد أجاب دعاك ﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ لله بالقدرة ولك بالرسالة، وقال الماوردي: إنَّما قصدوا التبرك بها (٣).

﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ الآية [المائدة: ١١٤]. والعيد من العود لأنهما يعودان في كل سنة ﴿وَآيَةً مِنْكَ﴾ أي: علامة يُستدل بها على قدرتك ﴿وَارْزُقْنَا﴾ الشكر على نعمتك ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.


(١) انظر "تفسير البغوي" ص ٤٠٧.
(٢) "الصحاح": (ميد).
(٣) "تفسير الماوردي" ٢/ ٨٣.