على عسكري ما جرى، ولا بُدَّ من الخروج، فخرج وطلب من الخليفة مالًا ينفقه في الغلمان، فبعث إليه بمال سرًّا لا يدري ما مَبْلَغُه، ولمَّا خرج السلطان رأى في عسكره قلَّةً، فشقَّ عليه، وقال لعميد الملك: هلَّا أخبرتني لأتوقف حتى تجتمع العساكر. وكان عدة من معه نحوٌ من ألفي غلام.
وفي رابع رجب هرب جماعةٌ من أصحاب السلطان من قلعة الموصل، فسَلِمَ البعضُ، وغَرِقَ البعض، وبقي منهم جماعةٌ في القلعة، وكانت العامة عليهم تقاتل، ثم جاء البساسيري فنزل دار الإمارة، وكان يقيم فيها نهاره، ويخرج منها إلى عسكره ليلًا، ووصل أصحاب السلطان من الجبل، وجاءته العساكر، وسار يوم الجمعة لأربع بَقِينَ من رجب، ولمَّا قَرُبَ من الموصل هرب البساسيريُّ وقريش بن بدران وأهل الموصل، فهدم السلطان قلعة الموصل، ونزل العسكر في دور أهل الموصل، ولم يكن بقي منهم بها أحد، وكان شتاء، فنقض العسكر أخشابها وأوقدوها، وخرب أكثرها، وإنما هرب أهل البلد لأنهم قاتلوا أصحاب السلطان الذين كانوا في القلعة، ولم يَطُلْ مقامُ السلطان بها، وسار إلى نَصِيبين، فلمَّا قَرُبَ منها ولم يَبْقَ بينها وبينه إلا ليلة واحدة خرج إليه شيوخها، وبذلوا عن البلد ثلاثين ألف دينار تُدفع إلى العسكر، فالتمس منهم مئة ألف دينار، وقال: ما يكفي العسكر أقلُّ منها. وبات أهل البلد على أسوأ حال، فأصبحوا فلم يروا للسلطان والعساكر أثرًا، وذلك يوم الأربعاء ثالث عشر رمضان، والسبب فيه أنَّ إبراهيم يَنَّال استشعر من السلطان وما زال إبراهيم عنه نافرًا، وقيل: إنه كان يكاتب البساسيري باطنًا، وأشار عليه البساسيري بالعصيان لأخيه، وأطمعه أن ينفرد بالملك ويساعده على ذلك، وكان رئيس الرؤساء قد ظفر بكتاب المصري والبساسيري إلى إبراهيم يَنَّال بذلك، فأخذ الوزير الكتب من الجاسوس وأطلقه، ولم يُسِئْ إليه ليتألَّف قلب إبراهيم، فعاد فِعْلُه بالوبال وسوء الحال، فإن الجاسوس مضى من فوره إلى إبراهيم يَنَّال، والتقاه في تلك الليلة وأخبره، فانزعج وسار في الليل في قطعة عظيمة من الجيش إلى هَمَذان، ولم يشعر السلطان لأنه كان بعيدًا عنه، ولمَّا علم سار فعدا خلفه خوفًا أن يسبقه إلى هَمَذان وبها حلل التركمان فيملكها، ويأخذ من هَمَذان ما بها من خزائن السلطان وأمواله وذخائره وسلاحه، وتقدَّم إلى خاتون وعميد