الملك وأنوشروان بن خاتون وجميع الحاشية حتى طبيبه ومنجمه الذين لم يخلوا قط من صحبته بالانحدار سرعة إلى بغداد، ليمضي هو جريدة بنفسه خلف إبراهيم، ثم يكاتبهم من هناك بما تقتضيه الحال، فانحدروا مُجِدِّين، فدخلوا بغداد يوم الاثنين رابع شوال، وأمَّا السلطان فإنه وصل إلى هَمَذان ليلة الخميس الحادي والعشرين منه، ثم وصل إبراهيم يَنَّال بعده إلى حلل التركمان، فحلَّفهم واستوثق منهم أن لا يصالح أخاه، ولا يُكلِّفهم المسير إلى العراق من بلادهم ولا إلى غيرها، ولا يستوزر وزيرًا إلا برأيهم، فحلف لهم، وتحصَّن السلطان بهَمَذان، وقاتل أهلُها بين يديه، ووردت كتبه إلى عميد الملك وخاتون بالإسراع إليه والعسكر الذين معهم ليتقوَّى به، فعزمت خاتون على المسير، فمنعها الخليفة خوفًا من انصراف الجند وخلوِّ البلد، وقال لها عميد الملك: مَنْ يوصلنا إلى هَمَذان والعساكر مُحيطةٌ بها، ومتى ظفر بنا إبراهيم كان وهنًا عليكِ وعلى السلطان؟! ودفعها رئيس الرؤساء عن ذلك، وشرع عميد الملك باطنًا في ترتيب أنوشروان ابنها من خُوارَزم شاه في الإمارة، وطالبه العسكر بالمال، فأنفق فيه عميد الملك قطعةً من ماله ومال خاتون ومال أنوشروان، وساعدهم الخليفة بالغِلال، ومن الناس أيضًا، وأعلم عميد الملك لرؤساء الترك بما عزم عليه، وأطلع ابنانجيل وعمر على شيء منه، فلم يَرَيا أنوشروان أهلًا، فنقضا عليه ما دبَّره، وبلغ عميد الملك ذلك، فأحفظه، فلمَّا كان يوم السبت الخامس والعشرين من شوال حضروا في دار المملكة، فقال عميد الملك لعمر: ما تدع الفساد على السلطان، ولا تصفي نيَّتك له، وقد بلغني أنك تفسد العسكر لإبراهيم، وتحملهم على مفارقة باب الخليفة، ونحن بإزاء هذا العدو -يعني البساسيري- فقال له عمر: أنت تعلم من هو ذا يسعى في الفساد -يشير إليه- ولكن قد كرهتَ كوني معك، وأنا ألحقُ بالسلطان، وأدَعُكَ، فنفر من ذلك، ونهض عازمًا على القبض عليه، وأحسَّ عمرُ، فخرج وجرَّد سيفه، وركب فرسه، ومضى إلى داره، واعترضه جماعة من أصحاب عميد الملك، فلم يقدروا عليه، واتَّبعه ابنانجيل مائنًا لعميد الملك، خائفًا منه، ووصل عمر من ساعته في غلمانه وخاصَّته بالأسلحة والسيوف المسلَّلة إلى الجبل، وجاءت رسالة خاتون إلى رئيس الرؤساء بإصلاح ما بين ابنانجيل وبين عميد الملك؛ لئلَّا يلحق بعمر فيتضاعف