الملك، فربما أنه يحيد عن رأيهما، فعزمت على القبض عليهما. وقيل: إن كتاب السلطان ورد عليها بالقبض عليهما؛ لأن الخبر وصله بما شرعوا فيه، فأطلعَتْهُما على الكتاب، وأشارت عليهما بالانصراف، فلمَّا عبرا دجلة ونهبَتْ دورَهما، واستدعَتْ الحلباشية والتركمان وحاشية السلطان، وأخبرتهم بذلك، وأطلقت لسانها في عميد الملك وأنوشروان، وأنهما منعاها من اللحاق بالسلطان لسوء نيتهما، وأظهرت الندم على إفلاتها لهم (١)، وتقدَّمت إلى الجماعة بالمسير، ورحلت بكرة يوم الأربعاء خامس ذي القعدة، فبعث إليها الخليفة بالتوقف، فزبرت الرسول وسارت، وخاف الحريم من عبث العرقية يعني حريم دار الخلافة، فرمى الناس أقمشتهم في الآبار، وأقام الوزير على أبواب الدروب من يحفظها وباتوا على وجل، وسار الغُزُّ مع خاتون ونهب من تخلَّف منهم دارَ المملكة وما فيها من السلاح والرجال، وكان شيئًا كثيرًا، وعبر عميد الملك من خيم ابن مَزْيد وقت العصر إلى بيت النُّوبة، واجتمع رئيس الرؤساء، واستقرَّ الرأي مع الخليفة عبور ابن مَزْيد إلى الجانب الشرقي لتهمتهم إيَّاه بالبساسيري، وجرَتْ بينهم وبينه مراسلاتٌ إلى أن عبر يوم الخميس سادس ذي القعدة، وتواترت الأخبار بانحدار البساسيري وقريش ونزولهما على هِيت منتهزين الفرصة في بغداد، ولم يبقَ مع عميد الملك غير غلمانه، فانحدر إلى دير العاقول يوم الخميس طالبًا خُوزستان، فلقي في طريقه أبا كاليجار هزارسب، وكان قد استُدعِيَ إلى بغداد، فعرَّفه مسير خاتون بالعساكر، فرجع معه ومضيا جميعًا إلى الأهواز، وأما أنوشروان فسار لاحقًا بوالدته، وكثُرت الأخبار بقرب البساسيري، وضعُفَتْ نفس الخليفة ووزيرِه، ورجع الناس وخصوصًا حاشيةُ الخليفة وخدمُه، وقال الخليفة: مَنْ أراد الانصراف فلينصرِفْ فإني خارج من البلد. فأخرج الناسُ أموالهم وأولادَهم إلى شاطئ دجلة، وضجَّ النساء والأطفال، وأنزل الحاشيةُ والعجمُ أموالهم إلى السفن. وفي وقت هذه الثورة صاح على دار الخليفة نحو عشر بومات صياحًا مزعجًا، وكرَّرت تكريرًا موحشًا. [قلت: وأهل العراق يتطيَّرون من صياح البوم ويتشاءمون بهنَّ، وليس في صياحهنَّ بؤسٌ ولا شؤم، وقد يوافق صياحهنَّ جريان القدر في بعض الصور، وفي الخبر الذي اشتهر: "لا