للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويستحثونه على لحاقهم، وأقاموا مع كامرو إلى وقت المساء، ثم حمله إلى قرية عَقْرَقُوف (١)، فباتوا بها، ووافاهم البساسيري، وقيل: لم يُصلِّ الناسُ الجمعة بجامع المنصور، وإنما صلُّوا الظهر بغير خطبة، ونزل البساسيري يوم السبت بعَقْرَقُوف، ولقيه كامرو فلم يَرَ عنده ما قدَّره، وجهده بما يكره، وحصل في جملته غيرَ مُهتَمٍّ بأمره، ولا مُراع لحقِّه، فلما كان يوم الأحد ثامن ذي القعدة دخل بغداد، فخرج إليه أهل الكَرْخ، وتضرَّعوا في أن يجتاز عندهم، فعدلَ معهم، ودخل الكَرْخ، فنثروا عليه الدنانير والدراهم، وعليه جبة عتابي، وعمامة خَزٍّ، وكان دائمًا ينتخب الملابس الفاخرة، وعن يمينه أبو الحسن بن عبد الرحيم، وعن يساره من الغلمان البغدادية العددُ القليلُ، وعلى رأسه نحو من عشرين قصبة من القنا، منها عشرة ملبَّسة بالفضة مشدودة، عليها تسعة مطارد سقلاطون، مكتوب عليها بالذهب والفضة: الإمام المستنصر بالله أبو تميم مُعِدُّ أمير المؤمنين، ومنها عشرة ملبَّسة بالحرير الأحمر، على واحدة منها راية بيضاء، منسوجٌ فيها بالذهب اسم المستنصر أيضًا، فنزل بمشرعة الزوايا، ونزل قريش في نحو من مئتي فارس في مشرعة لباب البصرة في بني عقيل، ولمَّا استقرَّ بالقوم المنزل ركب عميد العراق من الجانب الشرقي في العسكر وحواشي الدار والخدم والهاشميين والعلويين والعوام، وقد ألبسهم السلاح، فكانوا عددًا كثيرًا، ومعهم فيلٌ صغيرٌ حمله السلطان إلى الخليفة لمَّا زفَّ إليه ابنةَ أخيه، وضربوا الدَّبادب والبوقات، وصاحوا عليهم إلى آخر النهار، ثم انصرفوا ولم يجاوَبوا بكلمة من عسكر البساسيري بكلمة ولا فعل، ونُهِبَتْ دارُ قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وكانت بالجانب الغربي، وتلف أكثرُ السجِلَّات والكتب الحكمية، ونُهِبَتْ دور المتعلقين على الخليفة والعجم، إلا من كان في داره فإنهم لم يتعرضوا له ولا لداره، وأوصى البساسيريُّ الغلمان أن لا ينهبوا ويُحسِنوا العشرة مع الناس، وطرحت النار في باب البصرة، وكان أكثرُ أهلها قد عبروا (٢) إلى دار الخليفة، فنُهِبَتْ وأُحرِقَتْ، واجتهد البساسيري في منع ذلك فلم يقدر؛ لأن أهلَ الكَرْخ أظهروا ما كان في قلوبهم، وخرج مَنْ بقي من أهل باب البصرة


(١) عَقْرَفُوف: قرية من نواحي دجيل، بينها وبين بغداد أربعة فراسخ. معجم البلدان ٤/ ١٣٧.
(٢) في (ف): دخلوا.