عراةً ومعهم النساء والأطفال، وقعدوا على الطرق والدكاكين، وكان الزمانُ شتاءً، والبرد شديد، فمات أكثرُهم، وأعاد أهل الكَرْخ الأذان بحيَّ على خير العمل، وأظهروا الفرح والسرور والتشفي بإزاء ما قاسوه من الخوف والذُّلِّ، وعملوا راية بيضاء وكتبوا عليها اسم المستنصر، ونصبوها في وسط الكَرْخ، وعقد البساسيري الجسر عند باب الطاق ليضيِّق رجله، وجرى بينه وبين عميد العراق حربٌ على عقده، وجمع إليه البساسيري العوامَّ وأهلَ الكَرْخ، وأطمعهم في نهب دار الخليفة، واجتمع إليه العيَّارون، وكان كلُّ مَنْ عبر إليه إلى الجانب الغربي خلع عليه وزفَّه بالبوقات والدبادب، وخطب بجامع المنصور للمستنصر، وألبس الخطيب والمؤذنين الثياب البيض، وزيد في الأذان: حيَّ على خير العمل، وركب عميد العراق إلى جامع الرُّصافة، وأقام الخطبة للقائم على العادة، ولمَّا تكامل الجسر والقتالُ يُعمَلُ عليه سيَّر جماعةً يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة، فوافاهم عميد العراق عند الزاهر، واقتتلوا، فانهزم عميد العراق ومَنْ كان معه، وقُتِلَ من الدَّيلم نحو من ثلاثين رجلًا، وعبر البساسيري بعسكره، وخرج إليه عميد العراق وبنو هاشم وغيرهم، وقاتلوه من نهر مُعلَّى إلى باب أبْرَز، وكان القتالُ يُعمل كلَّ يوم، وخُطِبَ يومَ الجمعة بجامع الرُّصافة للمستنصر أيضًا، وكان الخطيب في جامع المنصور والرُّصافة يقال له: ابن شعيب الأَرَّجاني، وكان شريرًا مبغضًا، وكان البساسيري يعرفه بالشر، فنال من الخليفة ومن رئيس الرؤساء [على المنبرين، وكان عميد العراق ورئيس الرؤساء](١) والخدم والزهيري وابن اليدن وابن المذهب القاص يقفون بباب النُّوبي، ويقاتلون ويجمعون العوامَّ ورئيسُ الرؤساء يحرِّضهم ويقول: اقتلوهم حيث ثقفتموهم، وكان النساء يقاتِلْنَ وبأيديهنَّ الدفوف، وحُفِرَتِ الخنادق والآبار حول دار الخلافة، وخلا جانب الحلية من المقاتلين، واشتغلوا بحفظ باب النُّوبي، فلما كان يوم الأحد التاسع والعشرين من ذي القعدة قصد البساسيريُّ دارَ الخلافة من ناحية باب النُّوبي، وعرف العوامُّ خلوَّ باب الأزج والحلبة، فجاؤوا إلى ناحية باب الأزج، وهدموا حائطًا، وأحرقوا أماكِنَ، وعلم البساسيري، فساق إليهم، فوجدهم قد اشتغلوا بالنهب من باب الأزج، ولمَّا