ما لم يظُنَّه، وقد مضى لنا منذ ستة أشهر منذ فتحنا العراق ما كتب إلينا حرفًا، ولا التفت إلينا، وقد [عادت](١) رسلنا بعد سنة منه صِفْرًا، ولم يُنفِذْ لنا رسالة فضلًا عن مال ورجال، ومتى تجدَّد أمر فما يشقى به إلا أنا وأنت، وما المطلوب سواي وسواكَ، والصواب المهادنة، وردُّ الخليفة إلى أمره، وتستكتبُ له مَنْ تأمنُه، وتحقنُ الدماء، وتحفظ الأموال، ونعيش باقي العمر في سكون وطمأنينة، والسلام.
وكان البساسيريُّ قد انحدر إلى واسط، فلمّا كان يوم الاثنين لتسعٍ بَقِين من جمادى الأولى سار من واسط يُريد الأهواز، وابتدأ بالبصرة، فرتب أصحابَه فيها ولم يدخلها، وكان معه دُبيس وصدقة بن منصور وأبو الفتح بن وَرّام، واجتمع إليه جماعةٌ كثيرةٌ من الدَّيلم والأكراد والتُّرك والعرب، وكتب هزارسب إلى دُبيس يقول: ما أُخالف أبا الحارث في شيء، وإنما بيني وبين السلطان متاخمةٌ في الأعمال، ومجاورةٌ في البلاد، ومتى انحرفتُ عن طاعته لم آمَنْه، وجاءني من قِبَلِه ما لا طاقة لي به، وكذا أمري معكم، لا أقاتلكم، ولا أواجهكم، بل أبعُدُ عنكم، والمصلحة مصالحةُ السلطان، وأن يُجاب إلى ما أمر به، من رَدِّ الخليفة إلى داره، وهو مع ذلك يكاتب السلطان ويستنجده، ويُهوِّن عليه أمرَ البساسيري.
وفي جمادى الأولى سيَّر قريشٌ أرسلان خاتون إلى السلطان، ومضى معها جماعةٌ من العجم الذين سَلِموا من القتل، وكانوا قد أصعدوا مع قريش إلى الموصل، وبعث أيضًا بأولاد عميد العراق وزوجتِه، وهي مظهرةٌ الشكر لقريش، مُبطنةٌ الشكوى منه.
وفي جمادى الآخر ورد رسولُ البساسيري من مصر، وكان قد أنفذه من الرَّحبة قبل فتوح بغداد يطلب الأموال، فأقام سنة وعاد بغير شيء، وذكر أنَّ بعض أصحاب المستنصر خلا به وقال [له] لمّا وصل الخبر بفتوح بغداد: لم يصِلْ من صاحبك كتابٌ بصورة الحال على الفور، وإنما سمعناه من نُوَّابنا بالشام، وليست العادةُ جاريةً بهذا، وهذا الرجل قد التجأ إلينا فآويناه، ونصرناه وأمددناه وأعطيناه، وكان العسكرُ منه شاكين، والرعيةُ في الأعمال عنه نافرين؛ لما استعمله معهم في طريق العراقيين من الظلم والعسف، واستبدَّ برأيه فيما يفعله، وكنا نكاتبه ولا يفعل إلا ما يريد، ولا يجيب عن شيء، ومضى إلى