للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموصل بغير أمرنا، وقلنا له: سالِمْ أهل العراق إلى أن نأمرك، فما التفتَ، وسار إلى العراق بغير إذن، ثم فتح دار العباسي التي هي قلعة أموال العباسيين والناسِ، وذخيرةُ أهل الدنيا من سائر الأقطار، وأخذَ أموالهم، ونهبَ الرعية وصادرهم، وفعل ما لا يحِلُّ ولا يسوغُ ولا يُحمَلُ عليه، واحتجز الأموال لنفسه، وأخذ منها ما عَظُم خطرُه، وأخذ العباسيَّ واعتقلَه، بحيثُ لا يدَ لنا عليه، ولا أمرَ ينفُذُ لنا فيه، وقتلَ أصحابَه وصلبَهم من غير استئمار ولا استئذان، ولا رأى على نفسه أن يُعيد بعض الأموال [التي حُمِلت إليه، ونحن إنَّما نُطلق الأموال] لنفتح بها البلاد، ثمَّ نستعيدَها وأضعافَها، وكلُّ هذا جميعُه داخلٌ في حكم العصيان، خارجٌ عمّا ألِفْناه من أوليائنا، وقد بَلَغَنا أنَّ حاجبه ابن خِتِكين واصلٌ إلينا، وإذا وصل أنفذنا صحبتَه الجواب، وأنتَ مُخيَّرٌ في المُقام والمسير. قال: فقلتُ: المسيرُ إلى أهلي وولدي أحبُّ إليَّ، وانفصلتُ عنهم.

وورد الخبرُ بأنَّ السلطان عاد من هَمَذان إلى أصفهان؛ إطماعًا للبساسيري، وتسكينًا إليه، وإظهارًا للبُعد عن العراق؛ ليكون ذلك داعيةً إلى خلاص الخليفة، وردِّه إلى وطنه، وحراسة مُهجته.

وفي تاسع عشر جمادى الآخرة وصلت زوجةُ البساسيري بنت الحازم وزهرة جاريته وولداها منه، فأفرج ابنُ البساسيري أبو البركات عن يارَخْتِكِين الحاجب، وخلع عليه، وحمله على عدة دواب، وسار يوم الجمعة لسِت بَقِين من الشهر، وخرج معه مَنْ بقي ببغداد من العجم، وحكَتْ زوجةُ البساسيري وزهرةُ بما قاسيا من القلعة بعد المصادرة والضرب العظيم من الجوع، فإن والي القلعة كان يُعطيهم كلَّ يوم من الخبز الشعير ما لا يكفيهم، وكانوا يغزلون الصوف ويبيعونه ويتقوَّتون به، وكان مع زوجة البساسيري صبيٌّ من أهل بغداد، وكان يحتطب ويبيع الحطب وينفق عليهم من ثمنه، وعاد البساسيريُّ إلى واسط بعد أن دخل قريبًا من الأهواز.

ذكر السبب:

لمّا قرب البساسيري من المأمونية ونزل بها، جاء وليُّ الدولة أبو العلاء بن هزارسب في رسالة إلى البساسيري تتضمَّن: بذل المال والمصالحة عن خُوزستان، وعَود العساكر عنها؛ لئلا يشعثها، فأجاب البساسيريُّ واقترح الخطبة لصاحب مصر،