ما لي من الأيام إلَّا موعدٌ … فمتى أرى ظفَرًا بذاك الموعدِ
يومي يمرُّ وكلَّما قضَّيتُهُ … علَّلتُ نفسي بالحديثِ إلى غدِ
أحيا بنفسٍ تستريحُ إلى المنى … وعلى مطامعِها تروح وتغتدي
وأقام القائم مدةَ مقامه يتوقَّع البساسيريَّ وحصارَه القلعة ساعةً بعد ساعة، ويحسب أنَّه يبعث به إلى مصر، فكان ذلك أشدَّ عليه من الحبس، ويتمنى الموتَ على عدد الأنفاس، إلى أن أتاه الفرج.
ذكر مسير السلطان خلف البساسيري ومقتله:
لمّا عبر الخليفةُ دارَه عبر السلطانُ دجلة، ونزل بالنَّجمي قاصدًا للبساسيري، فجاءه سرًّا من باب منيع مُقدَّمه من خفاجة، وقال له: أيها السلطان، الرأيُ أن تُنفِذَ معي ألفي غلام من العسكر لأمضي على طريق الكوفة، وأُشغِلَ البساسيريَّ عن الإصعاد إلى الشام، وتنحدر أنت وراءه فتأخذه من غير فوتٍ، فلم يُعجبِ السلطانَ ذاك، إلا أنَّه قد خلع عليه وأعطاه سبع مئة دينار، فلمّا انتصف الليل انتبه السلطان واستدعى خُمارتِكين الطغرائي، وقال له: رأيتُ الساعةَ في منامي كأني قد ظفرت بالبساسيريّ وقتلتُه، فالواجب أن تُسيِّر إليه عسكرًا من طريق الكوفة -كما قال- سرايا، فخُذْ معكَ ألفَي غلام وسِرْ. فقال: سمعًا وطاعةً. واشتغل بتجريد الغلمان، فدخل أنوشروان على السلطان، واستأذنه في المسير إليه مع الغلمان، وانضاف إليهما يارختِكين، وسارتِكين الحاجب، وجماعة من العرب محمد بن منصور العقيلي، وساروا إلى طريق الكوفة، وسار السلطان بنفسه إلى واسط يوم الجمعة تاسع عشرين ذي القعدة منحدرًا على دجلة، ولمّا فارق بغدادَ شرع أصحابُه في خراب البلد، فأحرقوا الأسواق والدروب، وأخذوا الناس فعاقبوهم، واستخرجوا الدفائن، ودام النهب والحريق والقتل حتى خربت بغداد ودُثِرَتْ من الجانبين، ولم يبقَ غيرُ حريم دار الخلافة، وما فيه إلا آحادُ الناس، ومات بالجوع والبرد كثيرٌ من الناس، وأمَّا البساسيريُّ فإنَّه أقام بواسط مستهينًا بالسلطان، متشاغلًا بجمع الغلّات والتمور يصعد بها إلى بغداد، فبلغه دخول الخليفة والسلطان إلى بغداد، فعزم على الهرب، وتحيَّر في أمر الغلّات والتمر ماذا يفعل فيها،