فوقعت نار في زورق كبير فاحترق فتطيَّر، وكان فارسطغان الحاجب لمّا عصى على جلال الدولة سنة ثمان وعشرين وأربع مئة ونزل بدير العاقول جمع الزواريق، فاحترق زورق كذا، فقُتِلَ بعد سبعة أيام، وكذا البساسيري، فاحتاج أن ينزل على دُبيس ويستجير به، وقد كان شاكًّا فيه؛ لما يعرفه من انحرافه عنه، وما فعل معه لمّا فتح بغداد، وإنما ألجأَتْه الضرورةُ إليه، وكان دُبيس خائفًا من السلطان ولم يحضر إليه، فنزل البساسيري عليه، وطرح نفسه بين يديه، واستجار به، واجتمعت العرب عند دُبيس وهو بين الحلَّة وواسط على الفرات، وحدر دُبيس ماله ورجاله إلى البَطيحة، وصاحبها أبو نصر بن الهيثم، وانحدر معهم جماعةٌ من أهل بغداد، منهم أبو عبد الله المردوسي وغيره، ولمّا وصلت السرية التي بعثها السلطان إلى حِلل دُبيس نزلوا قريبًا منهم، فأرسل البساسيريُّ إليه، وقال: المصلحة تواقعهم الليلة، فإنهم كالُّون، وخيلُهم قد تعبت. فامتنع عليه، وقال: نُباكرهم غدًا، وأصبحوا، فراسل أنوشروان بن مَزْيَد، والتمس به الاجتماع، فمضى إليه، واجتمعا، فقال له: عميد الملك يُسلِّم عليك ويقول: قد مكَّنْتُ في نفس السلطان منكَ ما جعلْتُ لك منه المحلَّ اللطيف، والموقعَ المنيف، وشرحْتُ له ما أنت عليه من طاعته، ويجب أن تُسلِّم هذا الرجل، وتَسْلَم أنت ومَنْ في صحبتك، فما المطلوب سواه لما اقترفه من عظيم ذنبه، وارتكبه من كبير جُرْمه، وإن امتنعتَ واحتجبتَ بالعربية وذمامها وحرمة نزوله عليك والتزامها فانصرِفْ عنه ودَعْنا وإيّاه. فقال: ما أنا إلا خادم السلطان، سامعٌ مطيع لأوامره ومراسيمه، إلَّا أنَّ البدرية حلمها وذمامها، وقد نزل هذا الرجل عليَّ نزولًا ما آثرتُه ولا اخترتُه، بل كرهتُه وأبيته، وقد عرفتَ ما فعلتُ معك ومع عميد الملك ببغداد لمّا التجأتما إليَّ ونزلتُما عليَّ، وكيف خدمتكما وسَيَّرتكما، والصواب أن تُسرع في صلاح حال البساسيري مع السلطان وتصطنعه وتستخدمه، فما يُستغنى عن مثله وقد فات ما ذبح، وعفا الله عما سلف. فقال له أنوشروان: هذا هو الرأيُ، ونحن نبعد [عنكم من حِلَّة، وتبعدون عنا مثلها؛ لئلا يتطرَّق البعض إلى البعض](١) بوقوع العين في العين، والسلطان قد وصل إلى النعمانية، وأنا أراسله في هذا وما نخالفك، وما فيهما إلا من