للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصلنا إلى هَمَذان -وكان السلطان بها- اجتمعوا به، وأعطوه الكتب، وقدَّم التميمي هدية الخليفة وهي جُبَّةُ ديباج مُذْهبة مفرجة، وفَرَجيةَ نسيج بالذهب، وعمامةً مُشبكةً مُذْهبةً، وطرح الفَرَجية على كتفيه، وقاموا وحضروا من الغد في دار المملكة. وقيل: هذه الجُبَّة الكريمة الملتمَسة جهاز أُعِدَّ لها، وخدمةٌ عُجِّلَ بها، وكان فيها صدر بيت مُوزَر مفروش فيه سِماط ذهب، فيه تماثيل.

قال عميد الملك: يوفي وزنه على أربع مئة ألف مثقال، وبيت مثله من السنجاب، قيل: قيمته مئة ألف دينار، وبيت سِمَّور مثله، وبيت أبو قَلَمُون (١)، وعدة بيوت من ذلك الجنس، وشيئًا كثيرًا من الجواهر واليواقيت، وانصرفوا، وبقي أبو محمد التميمي، فإنه خلا بعميد الملك، وفاوضه فيما ورد فيه، وعرض عليه التذكرة بعد المشافهة بالاستعفاء، فقال له: هذه الرسالة والتذكرة لا يَحسُنُ عرضُها، فإن الامتناع لا يَحسُنُ بعد السؤال والضراعة، ولا المطالبة بالبلاد والأموال، بإزاء الرغبة في الافتخار والجمال، ومتى طَرَقَ هذا سمعَ السلطان علم أن الرغبة في الشيء لا فيه، فربما تغيَّرت نيّته، وكان منه ما لا يؤثره، وهو يفعل في جواب الإجابة أكثرَ مما يُطلَبُ منه. فقال له التميمي: الأمر إليك، والتعويل عليك، فافعَلْ ما تراه. والآن له القول، فسكن عميد الملك إلى ذلك، وبنى عليه، وطالع السلطان بأنَّ الإجابة قد حصلت، فسُرَّ بذلك، وجمع الوجوه والأكابر وعرَّفهم، وذكر عميد الملك لهم في هذا فصلًا مضمونه: أن السلطان يذكر نعمة الله عنده، وبلوغَه ما لم يبلغه أحد من قبله، بسبب هذه الوصلة بأمير المؤمنين، فأظهرت الجماعةُ السرورَ، ثمَّ تقدَّم السلطان إلى عميد الملك بالمسير مع خاتون إلى بغداد متولي العقد، وبعث معها فرّوخًا الخادمَ الخاص، وأصحبها مئةَ ألف دينار من مهر بنت الخليفة، وآلاتِ ذهب وفضة، وقال: إن لم يُنعمِ الخليفةُ ويُجِبْ إلى تسليمها. فأخذ فروخ (٢) برسم خدمتها، والقيام على باب حجرتها، وجهَّز معها جماعةً من الأكابر، فأُشير على عميد الملك بأن يأخذ خَطَّ التميمي بذلك، فراسله وقال: السلطانُ شاكرٌ لِما عرفته من خدمتك، وأُريد أن تكتب


(١) أبو قَلَمون: ضرب من ثياب الروم يتلوَّن للعيون ألوانًا. مختار الصحاح (قلم).
(٢) في (ف): فأقعد فروخًا.