للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخليفة، وبعث إليه بخاتمه، فجاء فعاتبه وقال: أكلتَ ضمان بغداد سنة ولم توفِ دينارًا وتعتصم بدار الخليفة؟ ثمَّ وكَّلَ به، فشفع الخليفةُ فيه وخاتون، فأزال عنه التوكيل أيامًا، ثم قبض عليه وقيَّده ثم ضربه، وبقي في الاعتقال إلى خدمةٍ بألف دينار، وضمِنَه سُرْخاب، وحمله إلى باب السلطان، فلمّا كان يوم الاثنين لأربع بَقِين من جمادى الأولى حضر إلى بيت النّوبة وفيه أبو الفتح بن دارست، وأنهى إلى الخليفة حضورَه وحضورَ الجماعة الذين معه، فقيل: النهار قد انصرف، والوقت قد أزف، ويكون يومًا آخر. فنهض عميد الملك ولم يعُدْ، وظهر من ابن دارست في حقه تقصيرٌ، وبعث عميدُ الملك إلى أرسلان خاتون في خطاب الخليفة في معنى الوصلة، فخاطَبتْه، وبان له أنَّ الشروط التي شرطها مع التميمي، والاقتراحات لم يكن فيها جوابٌ مُحرَّر، وجرى كلام طويلٌ حاصلُه أنَّ الخليفة قال: إن أُعفيتَ من هذا الأمر، وإلَّا خرجتَ من البلد. وأطلق عميدُ الملك لسانَه، وأرعدَ وأبرق، فقال: قد كان يجب أن يقع الامتناع الكُلِّي من الأول، ولا يكون اقتراح، وهذا الامتناع سعى في دمي مع السلطان. ثم أظهر عميدُ الملك الغضبَ، وبعثَ خيمةً ضربها بالنهروان، وعزم على الخروج، فسأله أبو منصور بن يوسف وقاضي القضاة التوقُّفَ ويُكاتبا الخليفة، وخوَّفاه وأرهباه، وساق الأمرَ إلى العقد على أن يشهد عميد الملك وقاضي قضاة الري على نفوسهما أن لا يطلُبا الجهة إلى أربع سنين، وأفتى الحنفيُّون بأن العقد صحيحٌ والشرط باطل، وأفتى الشافعيون بأن العقد باطلٌ إذا دخله شرط، فرجع عن الإجابة.

ووصل عميد الملك إلى الخليفة، فوعظه ومنعه ممَّا قد لجَّ فيه، وقال: أنا أردُّ هذا الأمر إلى رأيك وديانتك، وقد علمتَ ما فيه من الوهم علي بني العباس، ولم تجْرِ لهم به عادة، واتفق أن كتاب السلطان وصل إلى عميد الملك يأمره بالرفق بالخليفة، وأن لا يكون خطابُه إلا على الوجه الجميل، بسبب أنَّ كتابًا كُتب من الديوان إلى خُمارتِكين الطُّغْرُلْبي يشكو -فيما يبدو- من عميد الملك، واطّلاع السلطان عليه، وكتب الطُّغْرُلْبي إلى عميد الملك أنَّ السلطان غيرُ مؤثرٍ لشيء مما جرى، ولا يلزم الخليفةَ هذا الحال، فسكن الخليفةُ واطمأنَّ، وكتب عميد الملك إلى السلطان يستأذنه فيما يفعل، وأقام يرعد ويبرق، والخليفةُ يحتمله، واجتاز يومًا ومعه ابن دارست على مسجد وعلى بابه