للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دار الخليفة مرارًا، وأخذ من التجأ إليها، وقبض على ابن مهدويه مُقدَّم الأنبار الذي بعثه الخليفة، والعمامة واللحاف من تحت تاج الخليفة، والخليفة يشاهده، فاستغاث بالخدم الذين كانوا على الرَّوشن، فلم يُغنوا عنه، وعاقبه وأخذ خطَّه بمال، فأنفذ الخليفة منصور بن يوسف إليه، واستعظم ما جرى، ولطف به، ورفق حتى خلصه من يده، وأدخل يده في الإقطاعات للخليفة والحاشية والخدم، وطالبهم بما أخذ منهم، فجاء السوادية إلى تحت التاج، واستغاثوا وقالوا: إمّا أن تدفعَ عنا المطالبة أو ترُدَّ ما أخذتَ.

وسار (١) رئيس العراقَين بالناس السيرة الجميلة، وجلس للمظالم بنفسه، وأباد المفسدين، واطَّرح كل لذة وراحة، حتى أمنت الطرق في البلد وجميع السواد، وصار الرجال والنساء يمشون في الليل والنهار كيف ما شاؤوا، وكفَّ (٢) أذى العجم عن الناس، وأقام الطرق للخُفراء، فدرَّت القوافل (٣)، وكثُرت واتسعت الأرزاق، وماتت بعض المغنيات فحُمِلَتْ تركتُها إلى داره، فقال: ما هذه؟ فأخبروه، فقال: ردُّوها على أهلها. ونادى أن السلطان قد ردَّ المواريث الحشرية إلى ذوي الأرحام، واتفق أنه مات إنسان وله بنت وخلف ثلاثة آلاف دينار، فقيل له: إن السلطان يستحقُّ النصف. فقال: بالأمس نادينا بأمر، واليوم ننقضُه، ردّوا عليها مال أبيها. واتَّفق في هذا اليوم أنَّ امرأةً ماتت بالحريم الخليفي، وخلفت بنتًا وخزانةً فارغةً، فاعترضها ابن العطار الناظر في المواريث من قِبل ديوان الخليفة، فباع الخزانة بدينار ونصف، فأعطى البنت خمس عشرة قيراطًا، وأخذ الباقي، فقال الناس: ياللهِ العجب من التفاوت بين الفعلين. وأرَّخوا ذلك، وضُرب الدراهم، ورُفع التعاملُ بالقراضة، وكان ذلك قد أعيى الوزير قبلَه ولم يراقب خليلًا في حق يتوجَّه عليه، ولم يُغْضِ عن صديق في رخصة تقع منه، ورفع عدة مكوس، فاتصلت الألسن بالدعاء له، وكانت سيرته وسياسته شبيهةً بسيرة


(١) قبلها في (م) و (م ١) زيادة: وفيها توفي رئيس العراقيين أبو أحمد النهاوندي.
(٢) في (م) و (م ١): وأوكف.
(٣) في (م) و (م ١): وأقام الخفراء بدرب القوافل.