للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عميد الجيوش، ومخالفةً لما عهد وعرف، وعمرت بغداد من الجانبين، وكان ميله إلى عمارة الجانب الغربي أكثرَ؛ لخرابه، وكانت أيامُه نعمة من الله؛ لأنه ورد بعد الحرب والفتن والخوف والحريق والنهب.

وقد حكى (١) محمد بن هلال [الصابئ في "تاريخه" قضايا عجيبة، منها أنه قال]: حضرتُ يومًا عنده وهو على رَوْشن داره في قصر عيسى ينظر إلى دجلة، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم]. فقلت: ما لَكَ؟ فقال: تعال وانظُرْ. فجئتُ، فإذا المقتولُ تحت داره غريقٌ يدور ولا يبرح. فقال: هذا يستغيث بي على من قتله، ولا أدري ما أصنع في أمره. فقلت: سعادتُكَ زائدةٌ، ونيّتكَ جميلة، وطويّتكَ سليمةٌ، وما أظنُّ الأمر يخفى عليك. فتقدم بإخراج المقتول وتجهيزه ودفنه، وانصرفتُ، فلما كان بعد أيام حضرتُ عنده زائرًا على عادتي، فقال لي: وجدتُ قاتله. قلتُ: وأين هو؟ قال: هم ثلاثة في الاعتقال. فأحضرهم وهم أكراد، فاستنطقهم، فأقرّوا بقتله، فقال: إنما أخَّرتُ قتلهم حتى تسمع إقرارهم، ثم أمر بقتلهم فقُتِلوا، فقلت: كيف وقعوا لك وهذا أمر لا يمكن البحث عنه ولا الاطِّلاع عليه؟ قال: بعثتُ إلى جميع النواحي العليا [إلى تكريت] أسأل، فلم أقِف له على خبر، فأحضرتُ أهلَه، وقلت لهم: حدِّثوني عنه. قالوا: خرج في اليوم الفلاني لبعض حوائجه ولم يَعُدْ. قلت: هل تعرفون له عدوًا [أو تتَّهمون به أحدًا؟] قالوا: قد كان بينه وبين قوم من الأكراد ينزلون بقُرْبنا سَواءٌ (٢)، فإن كان دُهِيَ (٣) فالظاهر أنه منهم. فأنفذتُ إلى الأكراد المذكورين، فسألتهم عنه، فتغيَّروا، فقرَّرتُهم، فأقرُّوا، وأنعم اللهُ عليَّ بإظهار ذلك على يدي.

ومنها أنه كان ببغداد رجلٌ أعجميٌّ يعرف بأميرك، كان يهجم دور الناس نهارًا، ويأخذ أموالهم، وكان يؤدي إلى عميد العراق كلَّ يوم دينارًا [وعميد العراق هو الذي غرقه البساسيري]، فدخل أميرك على صيرفي وأخذ كيسه وفيه ذهب، فلمّا أصبح الصيرفي استغاث وضجَّ، وكانت دارُه إلى جانب دار قاضي القضاة ابن الدامغاني، فلم


(١) في (خ) و (ف): قال، والمثبت من (م) و (م ١) وهو الأليق بالسياق.
(٢) السَّواء: الخَلَّة القبيحة. المعجم الوسيط (سوأ).
(٣) دُهي: أُصيب بداهية، والداهية هنا: الأمر المنكر العظيم. المعجم الوسيط (دهي).