ما كان في قلبه، فاستحلف جماعةً منهم، ودخل سليمان ابن أخي رجب معهم، وضمن لهم اغتيالَه، ونزل محمود إلى سردابٍ يتبرَّد فيه، فجاء رجب وسليمان ابن أخيه، فدخل جابرٌ حاجبُ محمود، وكان وافقهم، فعرَّفه بحضورهم، فقال: هذا وقت القيلولة، تقعدون في الخيمة حتى أخرج. فهجموا عليه، فقام وقال: ويلَكم، إنه دمٌ لا يُضاع. ومسكه جابر حتى قتلوه، وقطع سليمانُ رأسَه، وتركه في كمِّه، ودخل على حظيَّة (١) محمود فافترشها قهرًا، والرأس يَشْخُبُ دمًا في كمِّه، وأخذها إلى قلعة سفانا، وكان يركب الفاحشة، فضجرت منه، وقالت: لا حياة بعد محمود، وألقت بنفسها من أعلى، فهلكت، وهرب بدر بن محمود إلى بغداد، وقُتِلَ صالحُ بن محمود مع أبيه.
وفي يوم الجمعة ثامن شهر رمضان توفي السلطان طُغْرُلبك بالري، ووصل [الخبر] إلى بغداد من جهة السيدة ابنة الخليفة في الرابع والعشرين منه، وذكرت أن حاله ثقُلَت، فحُمِلَ من الموضع الذي كان فيه بقصران إلى الري، فلمَّا نزل الدارَ مات، وتولَّت زوجتُه أم سليمان التي كانت زوجة أخيه داود، وفروخ الخاتوني أمره في غسله ودفنه [وكتموا خبره، وسنذكره في ترجمته] فكان بين زفاف السيدة إليه وبين وفاته ستةَ أشهر وثلاثةً وعشرين يومًا.
وفيها كثرت غارات العرب على بغداد حتى أخذوا ثياب الناس من باب بغداد، وقدم رجب بن منيع أمير بني خفاجة فنزل بالنجمي واستُدعي إلى بيت النُّوبة خامس ذي القعدة، فخلع عليه طاق سقلاطون، وفَرَجيَّةَ ديباج مُذهَبة، وعمامةً بيضاءَ مُذْهَبة، وكتب عهده على ما وليه من سقي الفرات، وعاد إلى بلده، ولمَّا تُوفِّي السلطان كاتب الخليفةُ أصحاب الأطراف مسلم بن قريش أمير العقيليين ودُبيس بن مَزْيَد أمير الأسديين وأبا كاليجار هزارسب وأبا الفتح وأبا النجم ابني ورَّام وبدر بن مهلهل أمراء الأكراد كتبًا تتضمن إعلامهم بما يتجدَّد، واستدعاءَهم إلى الباب فيشاوروا فيما يفعل، وخصَّ مسلمًا بخُلعةٍ بعث بها إليه، وروسل العميد أبو سعيد القايني، وأشعر بالحال، واستدعى إبراهيم وأمر له ما يعتمده ويعول عليه في تسكين البلاد والخدمة، فرهَّب الحضورَ وقال: قد ظهر من الإشاعة لهذا الخبر وتسريح الركابية إلى أصحاب الأطراف
(١) الحظيَّة: المرأة المفضلة على غيرها في المحبَّة. المعجم الوسيط (حظي).