بالاستدعاء إلى ما أوحشني، وقد كان الرأيُ أن يكتم هذا الأمر حتى تَسْلَم البلادُ من الغارات، وتنحسمَ عنها مواد الأطماع، إلى أن يُحكَم تدبيرُها، وأنا فما أحضر إلى الدار العزيزة إلا بعد الأمان الذي أسكن إليه، ومع ذلك فما ورد إليَّ في هذا الأمر ما أُعوِّل عليه، وإذا صحَّ عندي فأنا غلامُ عميد الملك، وإذا ورد إليَّ كتابُه بأمر امتثلتُه، وجمع العجم إليه، وكان نازلًا بقصر عيسى، وابتدأ بعمل سورٍ على بابه يتحصَّن به، وأعدَّ فيه الغلّات والسلاح، وعبَّأ على السطوح الحصا الذي حرزه في الزواريق من عُكْبَرا، وأطلق يده بالتواقيع للعرب بالنواحي، ولم يقطع ضرب الطبل من دار المملكة، وأظهر قلة الثقة بهذا الخبر، وجلس الوزير ابن جَهير للعزاء في صحن السلام يوم الثلاثاء السادس والعشرين من رمضان.
وفي مثل هذا اليوم كان دخول السلطان بغداد سنة سبع وأربعين وأربع مئة، فكانت مدة ملكه العراق سبعَ سنين وأحد عشر شهرًا واثني عشر يومًا، وثقُلَ على الخليفة ما فعله أبو سعيد، وتقدَّم بأن يكتب له الأمان الذي التمسه، وعلَّم عليه بخطِّه، فحضَرَ بعد مخاطبةٍ طويلة، وصعد إلى باب العزبة، وخدم ودعا، وعاد من وقته، ولم يحضر موضع التعزية، وخدم، فطرح أصحابه الخلع على الملَّاحين سرورًا بسلامته، وتقدَّم إلى الخطباء من الديوان بقطع خطبة السلطان، فقُطعت يوم الجمعة لليلةٍ بقيت من رمضان.
وفي شوال قتل سليمان قاتل الأخرم، وكان قد اعترض قافلةً شاميةً وطلب منها خفارةً، فمنعه ابن بطن الحق الكعبي، وقال: هذه خفارة أبي وجدِّي. وتنازعا، فضربه بحربة، وقتله، وهرب بنو كعب خوفًا من رجب بن منيع، فقال رجب: أنا ولي هذا الدم، وقد وهبتُه. وكان بين قتل محمود وسليمان أقلَّ من شهر.
وفيه ورد الخبر بوفاة السلطان، ولا بُدَّ من الاجتماع ليُقرِّر ما يفعل، فسار صدقةُ إلى الأهواز، فلمَّا حصل في دار هزارسب قبض عليه واعتقله، وكان الليث بن صدقة في بعض الطريق ومعه معظم خزانة أبيه، فهرب ودخل بغداد بعد أن نزل على دُبيس، ونزل الخرابة في الحِلَّة، وسأل الديوان، فكاتبه هزارسب في معنى أبيه والتلطُّفِ في خلاصه، فكُتِبَتْ له الكتب، وكُتب إلى أبي عبد الله المردوسي -وكان عند دُبيس- بالمُضيِّ إلى هزارسب في هذا المعنى، فعاد وقال: أولينا لنحقِّق الأمر.