وفي يوم السبت منتصف شوال وكل بالعميد القايني في دار الخلافة.
ذكر السبب:
كان مكاشفًا للخليفة، مُطَّرِحًا أمرَه، ولمَّا مات السلطان لم يُقلِعْ عن ذلك، وأدخل يده في الإقطاعات والأسباب الخليفتية، وتوقع منه الرجوع فلم يفعل، وطُولِعَ الخليفةُ بأنَّ عنده من الارتفاع جملة، ودخل رجل من بني عقيل، فاستجار بحريم الطاهري، فبعث وأخذه وكان معه مال، فأرسل إليه الخليفة: قد كنتَ تنظر في هذا البلد من قِبَلِ مَلِكٍ مضى لسبيله، فإما أن ترفع يدك وتسكن آمنًا، وإلا فاخرج من هذا البلد. فدافعَ وغالطَ، وأقام في الديوان من ينظر في البلد، وهرب العجم إلى دار العميد، فأحضر الخليفةُ القضاةَ والفقهاءَ، وأرسل إليهم: ما تقولون فيمن عصى الإمام، ومرق عن طاعته، وأبدى صفحة مخالفته؟ فأفتَوا بقتاله وجهاده، وبلغه ذلك، وشاع انحلال أمر عميد الملك، فأرسل يعتذر، واستقرَّ أن يحضر بيت النُّوبة ليحلف عن ما حصل في يده من الارتفاع، ويرجع إلى داره بحريم الخلافة لعمل الحساب، وأحيط بالسور الذي عمله، وحفظوه من الهرب، فخاف، فعبر إلى بيت النُّوبة، واستحلفه قاضي القضاة، فأقرَّ بثلاثين ألف دينار وست مئة كُرٍّ غلَّةً، فقال القاضي: أين هذا المال؟ حاضرٌ أم مفرَّقٌ في السواد؟ ففطن، فقال: مُفرَّق. فقال: إذا أحضرتَه شهدنا عليك. وطالبَه أقوامٌ بأموال، فاعتُقل حتى تحرَّر أمرُه. وقيل: إنه قيل له: امْضِ إلى دارك بدرب الدواب، واعمل الحساب. فخاف، وقال: ما أخرج من هذه الدار العزيزة. وطُولِعَ الخليفةُ، فقال: يكون في الديوان، ومعه خادم وجماعة، ثم قُرئ على المنابر توقيعٌ من الخليفة برفع الضرائب والمكوس، وكُتِبَ على أبواب الجوامع.
ذِكْرُ ما جرى في أصحاب الأطراف:
قد ذكرنا أنَّ الخليفة كاتبهم بالاستدعاء، وخَصَّ مسلمَ بنَ قريش بخِلعة، فوصل إلى تكريت، ورام أعذار العرب معه، فلم يفعلوا، وطلب كلٌّ منهم مُناه، وأطمع جماعةً منهم، فاتَّبعوه، وراسل أبا علي بن موسك وأبا الحسن بن عيسكان بن غيمي الأكرادَ بأرض إرْبِل وبلادها، وموَّه عليهما، وقال: إنني منحدرٌ إلى بغداد، وإنَّ الخليفة يُؤمِّرني على العراق، ويستنيبني في البلاد. ولبس الخلعة المنفذة إليه بالموصل، فعبر