فخرجت من وقتها إلى دار المرتضى نقيب العلويين بالري، ثم سارت من عنده إلى ساوة، وبعث إليها خمسة آلاف دينار للنفقة، فامتنعت من قبولها، فقيل لها: هذا قبيح فقبلتها، وقيل لها عن نظام الملك الوزير: إنما قبض على عميد الملك لما فعله في حقِّكِ ونقلكِ إلى الري. وسيَّر في خدمتها جماعةً من الأعيان إلى بغداد، وأنفذ أبا سهل محمد بن هبة الله -ويُعرف بابن الموفق- في صحبتها، والخطاب في إقامة الدعوة لألب أرسلان، وترتيب مَنْ يقوم بالنظر في الحضرة، فتوفي ابن الموفق بالموذقان، فعدل إلى رئيس العِراقَين (١) أبي أحمد النهاوندي، وتقدَّم إليه بالمسير معها، فامتنع، فأُلزِم، فسار مسيرَ مُكْرَهٍ على غير اختيار، وكتب معه كتابًا إلى الخليفة بإقامة الخطبة، ووصلت إلى بغداد في ثالث عشر ربيع الأول، ودخلت ليلًا إلى الدار، وخرج الخدم والحاشية لتلقِّيها، وكانت قد نزلت بالراوودية على نصف فرسخ من بغداد، فخرجت إليها والدتها والخدم والقَهْرمانة، ودخلت ليلًا، وسُرَّ القائمُ بدخولها، وكان قد وصل في خدمتها القاضي أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن وأسكين الحاجب، وحضرا بيت النُّوبة، وسأل قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني أن لا يقعد القاضي أبو عمرو فوقه، فقيل: هذا ضيف، وقد وصل بالجهة، فلا سبيل إلى ذلك. وقام أبو الحاجب وسلَّم إلى الوزير كتابين كانا معه، كتاب إلى الخليفة، وكتاب إلى الوزير، فخرج الجواب يتضمن الشكر للملك عضد الدولة ألب أرسلان، ويفيد بخدمته في شبيه السيدة، فإنه وقع في موقعه، وتقدَّم إلى الخطباء بالخطبة على المنابر، وأقيمت الدعوة يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الآخر، وكانت الخطبة على المنابر: اللهمَّ وأصلِحِ السلطانَ المعظَّم شاهنشاه الأعظم ملك العرب والعجم، سيد ملوك الأمم، ضياءَ الدين، غياثَ المسلمين، ظهيرَ الإمام، كهفَ الأنام، عضُدَ الدولة، وتاجَ المِلَّة، أبا شجاع الدين، رسلان محمد بن داود برهان أمير المؤمنين. وصحب هذا القاضي كتبٌ إلى الأطراف إلى: مسلم بن قريش، ودُبيس بن مَزْيَد وابن ورَّام وغيرهم، فأجابوه بالسمع والطاعة، وكان ورد قبل السيدة صاحبٌ لرئيس العِراقَين النهاوندي يُعرف بمظفر، فكتب إلى الديوان والوزير فخر الدولة متضمنةً للخدمة، وأنه قدِمَ مظفرٌ أمامه إلى حين وروده، فتقدم إليه الوزير بتسليم المعاملات وتمكينه من النظر والتصرف الذي يتعلَّق