الدين والدولة، رضيَّ أمير المؤمنين، وهو يذكر في تلك الديار نحو آغابزرك، وكان مسيرهم ثاني عشر جمادى الآخرة، وخرج معهم أبو سعيد النائب في العراق، كان وجماعة من رسل الأطراف والأمراء من العرب وغيرهم.
وفي هذا الشهر قدم رئيس العِراقَين أبو أحمد النهاوندي وأيتكين السليماني إلى بغداد، وأخرج الخليفةُ لتلقيهما الخدمَ والحجَّابَ، ولمَّا وصل أبو أحمد إلى باب النُّوبي نزل وقبَّل العتبة، وانصرف إلى دار المملكة، واعترض كلَّ مصعد ومنحدر، وأدخل يده في الأعمال، فعزَّ على الخليفة، فاستدعاه إلى بيت النُّوبة، وخاطبه الوزيرُ ابنُ جَهير وأغلظ له، وكذلك فعل بأيتكين، وانصرفا على هذه الحال، وراسل رئيس العِراقَين الخليفةَ بالشكوى من ابن جَهير والاستعفاء من الحضور معه، وقال: إن هذا قد نقل الدولة التركية إلى العربية، واستدعى بني عقيل إلى العراق، وفعل في ذلك ما سار في الآفاق، والسلطان غيرُ مؤثرٍ له، فعزَّ على الخليفة، وخرج الجواب بالثناء على الوزير والشكر له، وقال: قد كان له في ذلك الأمر المقام المحمود، وإنما له أعداء يتخرَّصون عليه، وأدخل النهاونديُّ يدَه في إقطاع الوزير وأسبابه، وأوقع الهوانَ بأصحابه، ومدَّ يده إلى الضياع العليا والسفلى.
وفي هذا الوقت عاد محمود ابن أخي عطية إلى حلب، فانكسر عطية، وعاد إليها مفلولًا، وحاصره محمود حصارًا شديدًا، وعدمت الأقوات.
وفي شعبان هجم قوم من أصحاب عبد الصمد الزاهد ببغداد على أبي علي بن الوليد المعتزلي، وسبُّوه وقالوا: هذا يقول: القرآن مخلوق، ويعتقد اعتقاد الفلاسفة، وأنَّ الإنسان قادرٌ على أفعاله، وأنَّ الله يُخلِّد في النار على الذنوب اليسيرة، ولا يَرى يوم القيامة، ولا يصلي في الجامع، ويدرس مذهب المعتزلة، واعتقلهم النهاوندي وقال: يقدمون على الفتن. وأجاب ابن الوليد عن ما قالوه عنه، وأنهى حاله إلى الخليفة، فخرج الجواب بالإمساك عنه، وجلس في بيته وأغلق بابه، ووردت أخبار الرسل أنهم نزلوا توريز، وأن نظام الملك إلى نَخْشُوان (١) وهي آخر ثغور الإسلام، وأن أخبار
(١) هكذا في النسختين (خ) و (ف): تَخْشُوان -بالشين- وذكرها ياقوت في معجم البلدان ٥/ ٢٧٦: نَخْجُوان -بالجيم بدل الشين- ثم ذكرها ٥/ ٢٩٨: نَقْجُوان -بالقاف بدل الخاء، وبعدها جيم- وهي بلد في أقصى أذربيجان.