أرباعه على نهر الترس الكبير، وربعه الآخر على خندق قد استخرج من الترس، والماء ينزل إليه من عُلوٍّ بعيد بدويٍّ شديد، وله جِريةٌ قويةٌ، بحيث لو طُرِحَتْ فيه الحجارة العظيمة لدحاها وقطعها، والطريق إلى بابه على قنطرة بإزائه وأسواره من الحجر الأصم الشديد، ومراميهِ بعيدة.
وقيل: إنه يشتمل على سبع مئة ألفِ دار، وألفِ بِيعة ودير، وليس عليه محالُّ ولا موضعُ قتال ولا فيه مطمعٌ حتى جاء من الله ما ليس له مَدْفَعٌ ممَّا خالف المعهود، ودلَّ على فعل المعبود، واستحرَّ القتلُ وكثُر، وملَّ العسكر وضجر، فأحجموا عن القتال؛ لأن الظفر لم يخطر لهم ببال، ولم يمضِ إلا ساعةً حتى انسلخ من السُّور قطعةٌ من غير مُوجِبٍ أوجبَه، ولا فِعْلٍ به أوهنَه، فدخل العسكر البلد، فقتلوا أهلَه، ونهبوه وأحرقوه وأخربوه، وأسروا من سلِمَ من السيف وتملَّكوه، وانسدَّت الطرقات بالقتلى، حتى لم يكن مسلكٌ إلا عليهم، ولم يخْلُ عددُ الأسارى عن خمس مئة ألف إنسان، وأحببتُ أن أدخلَ البلد وأشاهدَه، فاجتهدت أن يكون لي طريقًا على غير القتلى، فلم يكن، وحدَث أنه وُجِدَ في بعض البِيَع إجانةُ بِلَّور تَسَعُ راويةً من الماء، فكسروها واقتسمها العسكر، ووُزِنَتْ قطعةٌ منها فكانت ثماني عشر رطلًا.
وفي رمضان لمَّا هرب بدر بن مهلهل أمير الجيوش من دمشق ولَّى المستنصر حيدرة بن بروا، ثم صرفه عنها بدري المستنصري، ثم صُرِف عنها، فعاد إلى الرملة.
وفيها جرَتْ مراسلةٌ بين قاروت بك وأخيه ألب أرسلان، وذلك أنه لمَّا مَلَكَ ألب أرسلان الريَّ وبلاد عمه، واستولى على الخزائن والأموال، وكان قاروت بك على أصبهان رجع إلى كرمان، وخطب لألب أرسلان ولنفسه من بعده بشيراز: ولي فيها حصةٌ معلومةٌ، ويدي خاليةٌ من المال، وقاصرةٌ عمَّا أحتاج إليه ومن معي من الرجال، فإن أنصفتني فيما يقتضيه دينك ومروءتك فهو المعهود منك، وإن لم تفعل شكرتُك ووكلتُك إلى الله تعالى، ورضيتُ بجميل الرأي منك، وقد كان بينهما منافسةُ الأخوة، فندب ألب أرسلان أختهما كوهر خاتون زوجة الأمير أريسيغي، وكان يحبُّها حبًّا شديدًا، فأراد إرسالها إليه في أمر لا يظهر خبرُه، فقيل له: قد مضى إلى كرمان لمَّا